قال لي الحبيب خليل حلاوجي قبل مدة من الزمن " من أغضبك حتى أدعو لك وله " وذلك ردًا على كلمة كتبتها في " رسائل في بريد القلب " وكنت وقتها قد شعرت بالاستياء نتيجة لبعض الكتابات التي رأيتها في بعض المنتديات والتي خرج كتابها عن أصول الكتابة الملتزمة والهادفة ، لم أعرف بماذا أجيبه ، وهو أعلم مني وأقدر على فهم واستيعاب هذه النفوس التي باتت تحيط بعالمنا رغمًا عنا ، أحرجني أدبه الجم ، وسمو خلقه ، ومكانته في قلوبنا ، و لم أعرف بماذا أجيب ...لكنني فجأة انتبهت إلى خطورة هذه المشكلة – واستفحالها - التي باتت تشكل عائقًا أمام من يكتب ومن يحمل أمانة الكلمة ، وأقصد بهذه الأمانة - وحتى لا يعتقد البعض أنني أريد أن أبدو كمن يتحدث بلسان المعصوم عن الخطأ – تلك التي تضعنا في مواجهة الآخرين وأفكارهم التي يريدون لها الانتشار على حساب المبادئ والقيم التي تميزنا عن غيرنا من الأمم ، وعلى حساب ما جاء به هذا الدين العظيم ، ناسين أو متناسين وجود آية عظيمة تتصدر الصفحة التي سيكتب فيها (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق آية 18 ,والموجودة في كل المنتديات - والتي يتم تجاهلها من قبل البعض - ، فيكتب ما يشاء ولسان حاله يرفض ما جاءت به هذه الآية المباركة ، فتجده يدعو إلى مفاهيم خاطئة تخالف تعاليم هذا الدين جملة وتفصيلا لو أنه عرض ما كتبه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولعل المجال هنا يضيق أمام من يحمل أمانة الكلمة - والتي سيسأل عنها يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون - في أثناء محاولته لتوضيح بعض الأمور التي كتبها والتي تحمل في ثناياها مخالفات شرعية واضحة لدين الله عز وجل ، وإذا ما قمت بنصيحته تأخذه العزة بالإثم ، ويهاجمك بضراوة بشكل مباشر أو غير مباشر ، فتقع في حيرة كبيرة ، وتضطر لسؤال نفسك و غيرك " هل لنا ناقة أو جمل فيما ندعو إليه في مثل هذه الحالة " وهل علينا أن نطبق قوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه ، وأي منكر أعظم من ذاك الذي يدعو إلى مخالفة الدين ومفاهيمه بشكل واضح وصريح ، وأي منكر أكبر من نشر مفاهيم تساهم في الدعوة إلى الانحلال الخلقي والعقائدي ، وفي فساد المجتمع – الذي لا ينقصه فساد – وأي مغنم عظيم سيعود بالنفع على صاحبها والذي وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع خالقه ويوم لا ينفع مال ولا بنون قال تعالى (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًاِ ) الإسراء 14 ، فهل تدبرنا هذه الآية الكريمة ومعانيها الجليلة .
" النصيحة بجمل " هكذا قالوا من سبقونا ، لكن ديننا الحنيف قال وكما جاء في الحديث " : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه البخاري و مسلم ، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ملح ، سؤال يدعك في حيرة من أمرك وتعجز عن مواجهته ، ماذا ستفعل حيال هذا الأمر ، وكيف سترد عليه ، فعالم الشبكة هذه ملئ بالتناقضات ، وأية مواجهة فيه أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير متكافئة ، لأن سلاح المستخدم سيجرك إلى استخدام مفردات لطالما حاربها الفكر السليم والسوي ، ولأنها ستخرجك عن دائرة الأدب الملتزم وأهدافه السامية .
لماذا نكتب ؟ نعم ؛ سؤال وجيه علينا أن نجيب عليه بكل صراحة ومسئولية ، لأن الأمر ليس مزحة ، وليس مغامرة عابرة نخوضها على عجل وبدون أن نحسب عواقبها ، لتبدو فيما بعد كنزوة قضى صاحبها وطره وانقضى الأمر هكذا وبكل بساطة ، الجواب ليس من عندي ، بل ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن بلال بن حارث المزني رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) فكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث محمد بن عمرو به وقال الترمذي حسن صحيح وله شاهد في الصحيح. فهل نراجع ما نكتبه ؟ أم نترك القلم يكتب كل ما يحلو له دون وازع أو رقيب ؟ لدرجة أن نجد أنفسنا وعند السؤال وكما جاء في الحديث ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه) قال الترمذي حسن صحيح . وقال عز وجل (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) الانفطار الآية10.11.12) فهل سنراجع أنفسنا ونعطيها فرصة للنجاة ؟ نعم ؛ لنراجع أنفسنا ، فالمجال ما زال متاحًا أمامنا ، والتوبة بابها مفتوح ، ورحمة الله وسعت كل شيء ، فلنراجع أنفسنا ولنتعاضد فيما بيننا ، ولنطبق قوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)(المائدة2) ولندع النية السليمة تكون هي الباعث الحقيقي على تفاعلنا ، ولنقبل أو لا نقبل آراءنا ، لكن على قاعدة أن " الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية "فنحن هنا جميعًا نكتب من أجل غاية عظيمة ؛ النهوض بهذه الأمة في شتى المجالات الدينية منها والفكرية والأديبة والعلمية ؛ وكل ما من شأنه أن يساهم في تحقيق هذه الغاية العظيمة .