جمعتهُما في آخر الشتاءِ والأمطار هطلى حجرةٌ مشيّدةٌ من طوبٍ متآكل يتسلّلُ من بين صفوفهِ بردٌ قارس و يعلو جُدرانها ألواحٌ من الصفيحِ المثقّبِ تتسربُ منه حبّات المطر ..كان يتوسّط الحجرة موقدُ فحمٍ قد اسودّ واسودّ ما حوله..وإلى جانبِِ الموقد يركنُ جِذعٌ خشبيٌّ جعلاهُ مقعداً لثالثٍ لمْ ياْتِ...فوضعوا على الجذعِ أوراقاً مكتوبةً لاحدهما وهاتفاً متنقّلاً للآخر كانا يتعاهدانهما من المطر..
قال صاحبُ الأوراقِ مخاطباً صاحبهُ: ما بالك كأنّك تحملُ هموم الدنيا على رأسك ؟
أجابه الآخر وقد انعكس وهجُ الموقد على وجهه فتكشّفت تضاريس جبهته أخاديداً حفرتها الأيام : وكأنك لا تعلمُ حالنا وما نحنُ فيه ؟!..ساد الصمت برهةً الا من قرعِ حبات المطر على الصّفيح و صرير الهواء من بين الجدران ..قطع الصمتَ صوت رنينٍ ينطلق من الهاتف المتنقّل ..مد إليه يده ليكتمه ..ثم قال : وماذا عنكَ أنت ..وأراكَ واجماً تكابدُ الآلام ؟
أجابه صاحب الأوراق وقد رمى ببصرهِ خارج الحجرةِ: أما انا فلم أعد أحتمل ..أخذ أوراقه من على الجذعِ وألقى بها في الموقدِ ..أذكت النار و لمعُ وهجها في عينيهما ..عاد صوت الرنين من الهاتف مرةً أُخرى فلم يكتمه صاحبه ..نهضا معاً خارج الحجرة على عجل ..!