قراءة في رواية "في سبيل التاج: للشاعر الفرنسي فرانسوا كوبيه
كان الشاعر فرانسوا كوبيه شاعراً يلقب ب " معزي المنكودين والبائسين وشاعر الضعفاء والمحزونين" وذلك أن القاريء لأشعارهِ ورواياته لا يستطيع إلا أن يرسل دموعا حارة إشفاقاً على من تخطتهم السعادة .
لم تكن بدايات كتاباته محل إهتمام واعجاب القراء والنقاد ممن سمعوها لكنه لم ييئس فأدرك أن بداخله شاعر مفطور على تجسيد المشاعر والبطولات فعاد لنظم القصائد وقد وفق لكتابة أحد الروايات ونشرهه بين الناس فصادفت رواجاً حتى أن بعض ما كتب كان يتلى على المسارح وفي الحفلات.
الف فرانسوا العديد من الكتب الشعرية أهمها (اعتصاب الحدادين) و (المتواضعون) و (المودات) و ألف أيضاً قصص نثرية منها (المجرم) و (شيونيه) .كما برع في الروايات التمثيلية مثل سيفير ونوريلي وفي سبيل التاج.
تعد رواية في سبيل التاج مأساة شعرية تمثيلية وهي رواية أخلاقية بطلها فتى تتعارض نفسه مع عاطفتان قويتان حب الأسرة وحب الوطن فضحى بالأولى فداءً للثانية ثم ضحى حياته فداءً لأسرته .
قام الأديب الكبير مصطفى المنفلوطي بتعريبها ونقلها في قالب عربي ماتع سكب فيها أرق و أجزل الألفاظ . وتعد الرواية كما يقول الأستاذ حسن الشريف (كتاب الوطنية الخالدة)
تدور أحداث الرواية في القرن الرابع عشر بين الدولة العثمانية والشعوب البلقانية حينما كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها واستطاعت أن تسقط الدولة البلقانية وتدخلها تحت حكمها ولكن لم يمضي وقت طويل حتى إستنهض الأسقف "أتين " همم الشعب البلقاني وأخذ يجوب البلاد طولاً وعرضاً محرضاً الشعب البلقاني على التمرد والحرية وخاطب الملك البلقاني بألا يدفع الجزية والأتاوة ويخلع عنه طاعته للحكم العثماني و مازال به حتى أذعن لرأية فتمرد وكان أن أرسلت الدولة العثمانية الجيوش لتعاقبه وبسبب جهود وتحريض الأسقف أتين للشعب لم يستطع الأتراك هزيمتهم فقرروا أن يستخدموا الحيلة للإستيلاء على البلقان.
ومن هنا تبدأ الأحداث ويبرز أسم الرواية " في سبيل التاج"
القائد برانكومير تغير كثيرا بعد وفاته زوجته الأولى المخلصة وزواجه من بازيليد الطامحة والطامعة في العرش إثر نبؤة سمعتها في طفولتها .
أنجب برانكومير من زوجته الأولى أبنه "قسطنطين " هو بطل الرواية الذي ورث الأخلاق الحميدة من والدته والشجاعة والإقدام من و الده .
شخصية قسطنطين مزيج من البسالة حتى التهور والكرم الأخلاقي النبيل محباً مخلصاً لوطنه و للمستضعفين يذود عنهم ويحميهم .
بازيليد وهي زوجة القائد برانكومير مدفوعةً بطمعها للسلطة تضع يدها في يد جاسوس عثماني وعدها بالعرش. وأفضل ما يوضح ذكاء بازيليد هو الحوار الذي دار بينها وبين الجاسوس العثماني قبيل الخيانة العظمى التي ستحرض زوجها ليرتكبها. في هذا الحوار يتجلى قدرة الشاعر فرانسوا على إيصال مفهوم السلطة والعرش التي يغتر بها الكثر مع علمهم انها ملك زائل ولا تساوي شيء إذا ما تم مقايضتها بالحرية والكرامة. وعلى لسان بازيليد ايضا تَفند كل المبرارات التي عادة ما يسوقها المحتل ليحتل وطنا ماً ورغم علمها بكل ذلك إلا أن بريق التاج كان أقوى من صوت العقل الذي جادلت به الجاسوس .
تحرض بازيليد زوجها القائد على أن لا يشعل النيران ليحذر الجيش البلقاني بينما عدوهم يقف على الأبواب وبالفعل يذهب للتل وهناك يجري أهم مشهد في الرواية وهو الصراع بين العاطفتين حب الوطن وحب الأسرة .
يلحق قسطنطين بأبيه القائد بعد أن أخبرته خادمته المخلصة "ميلتزا" بما سمعت بين زوجة أبيه والجاسوس ويجد أبوه ذلك القائد العظيم الذي طالما التصقت البطولات بإسمه على وشك أن يقوم بأكبر خيانة في حق بلده. يدور حوار بين الأب والأبن يعبر فيه قسطنطين عن ضميره و مشاعره النبيلة نحو وطنه وشعبه وتاريخ أمته ولكن يأبى الأب ألا أن ينفذ طلب زوجته التي أغرته بالسلطة والتمكين أن هو مكن للمحتل , فيضحي الأبن بأبيه من أجل الوطن . ويتهم الأبن بأنه قاتل أبوه القائد العظيم ولا أحد يعلم ماذا كان ينوي الأب عمله غير بازيليد وخادمته ميلتزا.
يختار الأبن أن يضحي بسمعته وحياته حتى لا تتلوث سمعت والده الذي ينظر إليه الجميع على أنه قائد عظيم مات من أجل الوطن وينصب تمثال تذكاري تخليداً لذكراه بينما يساق الأبن وسره معه للموت .
وبما أن الرواية تعد كما يُقال "كتاب الوطنية الخالدة" تبرز عدة عوامل مهمة لابد من ذكرها:
1- دور العامل الديني في إستنهاض الشعوب ويتجسد ذلك في شخصية الأسقف "أتين" الذي طاف البلاد سنوات طوال ليستنهض شعبه تارة بإسم الوطنية تارة بإسم الدين.
2- تقدير الناس و أحترامهم لمن يقدم حياته وجهد للوطن بإخلاص ولو بعد حين . كما في حديثهم عن الأسقف في معسكراتهم وكما فعلوا لتخليد برانكومير .
3- دور المرأة في تغيير شخصية السياسين و القادة أما سلباً كما فعلت بازيليد او إيجاباً كما فعلت زوجة القائد الأولى ووالدة قسطنطين و الخادمة المخلصة ميلتزا .
4- أن الحرية والكرامة لا تجتمع مع تسلط دولة أخرى وتدخلها فيها مهما كانت المبرارات والإغراءات وحوار بازيليد مع الجاسوس يوضح ذلك.
5- أنه من أجل التاج ينسى الكثير أولوياتهم وشعوبهم و يتخلون عن كثير من أخلاقهم.
كتبته :غصن الحربي