أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: النهر الغادر

  1. #1
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي النهر الغادر

    القمر مختال كعادته لم يكتف أن يتربع في صحن السماء زهوا و غرورا بل رسم صورته على صفحة الماء الجاري المتدفق انسياباً و عنفواناً .
    كانت ليلة صافية , زادته بهاء و زينت ما حوله لألئ در مشرقة من نجوم و كواكب , فكان كنحر غجرية تحلقت من حوله حبات اللؤلؤ و الزبرجد.
    على ضفة النهر العظيم العتيق , وفي أحد الزوايا القاتمة تحت جسر معلق مهترئ , جلس رجل في منتصف العمر يراقب صفحة الماء السارية المدبرة بوجوم و ضيق , ولم يعبأ لا بالقمر ولا بالسماء ولا بالنهر.
    تتخلل دقائق صمته وهواجسه نغمات حزينة يطلقها بين الفينة و الأخرى , أو دمعات ينشفها على صفحة خده ,الذي رسم الدهر به أزقة و دهاليز .
    يصفق أحياناً بيديه محوقلاً , وأحيانا يكتنز رأسه بيديه كأنه يعصره , مطرقاً رأسه إلى الأسفل.
    -(سامحني يا رب) صرخ بصوت عال ممزقاً أمارات الصمت و تيجان الهدوء , و توجه إلى النهر مباشرة خائضاً في مائه ’ وصوت قدميه على صفحة الماء يصدر فرقعة و صخباً , مما لفت انتباه من جلس يختلس صفاء المساء على ضفاف النهر.
    استمر يخوض عباب الماء حتى هم أن يغمره موجه البارد , وازدادت حركاته صخباً و عشوائية , مما دفع عيون البعض بالتسمر لمراقبة المنظر , بينما ركض آخرون باتجاه الصوت , وكأنهم أدركوا أن خطرا ما يقترب , فدفعتهم شهامة ومروءة ,و ربما فضول لاستجلاء الحقيقة.
    صرخ احد المهرولين:
    - كفاك أبا محمد , تعال يا أخي ,الماء باردة و عميقة .
    -كنت اعلم أنني سأجدك هنا هيا.
    كأنما لجمه هذا الصوت الرجولي الرخيم , فسكنت حركته وسط الماء , و توقف دون أن يلتفت إلى مصدر الصوت .
    بقي متسمراً في مكانه , بين تيارات المياه , وخيال القمر المرتسم على صفحتها.
    خاض المنادي غمار الماء بهدوء و خطوات واثقة حتى اقترب من الرجل , وربت على كتفه بحنان وحب , مما دفع الرجل إلى الالتفات و الشروع في نوبة هستيرية من البكاء , معانقاً ذاك الرجل شاكياً مهمهماً بكلام غير مفهوم , طمست معالمه حشرجات النشيج وبعثرته هبات النسيم .
    همسات قليلة تبادلها الاثنان كانت كافية بإقناع أبي محمد بالخروج من الماء بخطى متثاقلة ومحملة بوجع مبهم ,
    كانت معلنة نهاية تجمع الناس و مشاهدتهم هذا العرض التراجيدي الحزين.
    عادت عيناي إلى مراقبة جريان الماء و أسراب أعواد (الزل) المنتشرة بجمال على ضفاف النهر , والى قفز الضفادع الجائعة على صفحته , طالبة فريسة دسمة من أسراب الحشرات المحلقة.
    ما زلت أفكر (بهذا العجوز) وأخمن ما الذي دفعه للتوغل في حضن هذا النهر.
    وبعد ساعات قررت الرجوع إلى منزلي معلناً نهاية رحلتي النهرية , قافلا أجرجر أذيال الهزيمة و الخذلان , بما أن صنارتي لم تفلح في اصطياد أي شيء من هذا النهر , لا سمك , و لا حتى ضفدعا أو فارا.
    في طريق العودة وعند دخولي أحد الأزقة المؤدية إلى بيتي مستلاً صنارتي الخائبة , تصادفت برجل مسرع يهم بدخول الزقاق , ولولا ستر الله لفقأت صنارتي عينه معلنة عن أول صيد لها منذ دهور.
    - أنا جد أسف لم أنتبه يا سيدي لدخولك.(صوت متلعثم يملؤه الخجل)
    - لا عليك يا بني حصل خير.(بهدوء وإيمان)
    تسمرت في مكاني , وأنا انظر إلى ذاك الرجل , الذي لم يكن في الحقيقة : سوى الرجل المنقذ الطيب.
    أهلا ياعم لقد رأيتك و أنت تخرج أبا محمد من الماء و.....
    -أخي الأكبر المفجوع بغرق وحيده في هذا النهر , أعانه الله لقد ذهب عقله حزنا وكمداً.
    لم تستطع شفتي أن تنبس بكلمة واحدة , ولا برد سلام المنقذ المودع , وهو يهم بالفرار من سيل أسئلتي الجارفة ,التي ارتسمت بوقاحة و فضول على محياي فآثر الرجل أن يفر من أعبائها و تبعاتها.
    أحسست بمرارة و حرقة يختلجان في حنجرتي وكأنما صخرة نبتت في جيدي.
    وأدركت الآن لماذا غاب جمال الأمسية عن عيون ذاك المسكين ولماذا غدا ذلك النهر المتفجر حيوية و خيراً مصدر تعاسته و قهره وصار قرص البدر المرتسم على صفحته شبح موت يقهقه بفزع وشماتة.

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشار البدوي العاني مشاهدة المشاركة
    القمر مختال كعادته لم يكتف أن يتربع في صحن السماء زهوا و غرورا بل رسم صورته على صفحة الماء الجاري المتدفق انسياباً و عنفواناً .
    كانت ليلة صافية , زادته بهاء و زينت ما حوله لألئ در مشرقة من نجوم و كواكب , فكان كنحر غجرية تحلقت من حوله حبات اللؤلؤ و الزبرجد.
    على ضفة النهر العظيم العتيق , وفي أحد الزوايا القاتمة تحت جسر معلق مهترئ , جلس رجل في منتصف العمر يراقب صفحة الماء السارية المدبرة بوجوم و ضيق , ولم يعبأ لا بالقمر ولا بالسماء ولا بالنهر.
    تتخلل دقائق صمته وهواجسه نغمات حزينة يطلقها بين الفينة و الأخرى , أو دمعات ينشفها على صفحة خده ,الذي رسم الدهر به أزقة و دهاليز .
    يصفق أحياناً بيديه محوقلاً , وأحيانا يكتنز رأسه بيديه كأنه يعصره , مطرقاً رأسه إلى الأسفل.
    -(سامحني يا رب) صرخ بصوت عال ممزقاً أمارات الصمت و تيجان الهدوء , و توجه إلى النهر مباشرة خائضاً في مائه ’ وصوت قدميه على صفحة الماء يصدر فرقعة و صخباً , مما لفت انتباه من جلس يختلس صفاء المساء على ضفاف النهر.
    استمر يخوض عباب الماء حتى هم أن يغمره موجه البارد , وازدادت حركاته صخباً و عشوائية , مما دفع عيون البعض بالتسمر لمراقبة المنظر , بينما ركض آخرون باتجاه الصوت , وكأنهم أدركوا أن خطرا ما يقترب , فدفعتهم شهامة ومروءة ,و ربما فضول لاستجلاء الحقيقة.
    صرخ احد المهرولين:
    - كفاك أبا محمد , تعال يا أخي ,الماء باردة و عميقة .
    -كنت اعلم أنني سأجدك هنا هيا.
    كأنما لجمه هذا الصوت الرجولي الرخيم , فسكنت حركته وسط الماء , و توقف دون أن يلتفت إلى مصدر الصوت .
    بقي متسمراً في مكانه , بين تيارات المياه , وخيال القمر المرتسم على صفحتها.
    خاض المنادي غمار الماء بهدوء و خطوات واثقة حتى اقترب من الرجل , وربت على كتفه بحنان وحب , مما دفع الرجل إلى الالتفات و الشروع في نوبة هستيرية من البكاء , معانقاً ذاك الرجل شاكياً مهمهماً بكلام غير مفهوم , طمست معالمه حشرجات النشيج وبعثرته هبات النسيم .
    همسات قليلة تبادلها الاثنان كانت كافية بإقناع أبي محمد بالخروج من الماء بخطى متثاقلة ومحملة بوجع مبهم ,
    كانت معلنة نهاية تجمع الناس و مشاهدتهم هذا العرض التراجيدي الحزين.
    عادت عيناي إلى مراقبة جريان الماء و أسراب أعواد (الزل) المنتشرة بجمال على ضفاف النهر , والى قفز الضفادع الجائعة على صفحته , طالبة فريسة دسمة من أسراب الحشرات المحلقة.
    ما زلت أفكر (بهذا العجوز) وأخمن ما الذي دفعه للتوغل في حضن هذا النهر.
    وبعد ساعات قررت الرجوع إلى منزلي معلناً نهاية رحلتي النهرية , قافلا أجرجر أذيال الهزيمة و الخذلان , بما أن صنارتي لم تفلح في اصطياد أي شيء من هذا النهر , لا سمك , و لا حتى ضفدعا أو فارا.
    في طريق العودة وعند دخولي أحد الأزقة المؤدية إلى بيتي مستلاً صنارتي الخائبة , تصادفت برجل مسرع يهم بدخول الزقاق , ولولا ستر الله لفقأت صنارتي عينه معلنة عن أول صيد لها منذ دهور.
    - أنا جد أسف لم أنتبه يا سيدي لدخولك.(صوت متلعثم يملؤه الخجل)
    - لا عليك يا بني حصل خير.(بهدوء وإيمان)
    تسمرت في مكاني , وأنا انظر إلى ذاك الرجل , الذي لم يكن في الحقيقة : سوى الرجل المنقذ الطيب.
    أهلا ياعم لقد رأيتك و أنت تخرج أبا محمد من الماء و.....
    -أخي الأكبر المفجوع بغرق وحيده في هذا النهر , أعانه الله لقد ذهب عقله حزنا وكمداً.
    لم تستطع شفتي أن تنبس بكلمة واحدة , ولا برد سلام المنقذ المودع , وهو يهم بالفرار من سيل أسئلتي الجارفة ,التي ارتسمت بوقاحة و فضول على محياي فآثر الرجل أن يفر من أعبائها و تبعاتها.
    أحسست بمرارة و حرقة يختلجان في حنجرتي وكأنما صخرة نبتت في جيدي.
    وأدركت الآن لماذا غاب جمال الأمسية عن عيون ذاك المسكين ولماذا غدا ذلك النهر المتفجر حيوية و خيراً مصدر تعاسته و قهره وصار قرص البدر المرتسم على صفحته شبح موت يقهقه بفزع وشماتة.
    ----
    أخي الأكرم ، الأديب بشار
    أسعد الله أوقاتك
    وفقتَ بالتقاط حدث إنسانيّ مؤثر ، لكنّك أذهبتَ ريحه بالوصف الكثير والذي كان أكثره حشواً لايخدم النص
    وكان يُمكنك أن تنهي النص عند قولك ( حزناً وكمداً ) لتصنع قفلةً معقولة
    - أحد الزوايا = إحدى الزوايا
    الماء باردة = بارد
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  3. #3
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى حمزة مشاهدة المشاركة
    ----
    أخي الأكرم ، الأديب بشار
    أسعد الله أوقاتك
    وفقتَ بالتقاط حدث إنسانيّ مؤثر ، لكنّك أذهبتَ ريحه بالوصف الكثير والذي كان أكثره حشواً لايخدم النص
    وكان يُمكنك أن تنهي النص عند قولك ( حزناً وكمداً ) لتصنع قفلةً معقولة
    - أحد الزوايا = إحدى الزوايا
    الماء باردة = بارد
    تحياتي وتقديري
    أستاذي الفاضل مصطفى حمزة : يشرفني ولوجكم إلى كلماتي المتواضعة , وشكراً لتصحيحكم تلك الهفوات التي لاأدري كيف سقطت مني بغفلة أو بتسرع.
    أما بالنسبة للحشو سيدي , والذي لم يخدم النص كما أسلفتم , ربما كان تركيزي على عنصر الجمال في القصة (القمر) وكيف يراه كل شخص حسب مزاجه , وحالته.هو ما أوحى لأستاذي بوصم النهاية بالمحشوة والا معقولية.
    هو ما أوحى لأستاذي بوصم النهاية بالمحشوة والا معقولية.
    تبقى بداية مهما كانت موفقة أم لا , وبفضل الله و تصحيح وتوجيه أمثالكم , سيستقيم المنهج والأسلوب.
    شكري وتقديري

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.68

    افتراضي

    تتمتع بقدرة مائزةعلى اقتناص المشاهد الحقيقة بالتجسيد قصصا ذات بعد وتأثير
    وقدرات وصفية مائزة أظنها ستكون بديعة في كتابة الخواطر والنثر الأدبي
    وقدرات قصية جميلة يعوزها شيء من التكثيف لتزهو

    نص استمتعت بقراءته

    أهلا بك في واحتك
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,788
    المواضيع : 392
    الردود : 23788
    المعدل اليومي : 4.11

    افتراضي

    البعض يرى نصف الكوب مملوءا والبعض لايرى إلا النصف الفارغ , وكل حسب مامر به من مواقف
    والحياة كما تعطينا تأخذ منا
    إنسانية مؤثرة صيغت بريشة شاعر فجاءت فياضة أبدعت نسجها بقوة أديبنا الرائع لولا طمس عنصر المباغتة بالإطالة
    دام ألقك
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6

  7. #7
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    حادثة مؤثّرة وصفت بلغة جميلة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    أثني على ملاحظات من سبقوني

  8. #8
    الصورة الرمزية محمد الشرادي أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 721
    المواضيع : 35
    الردود : 721
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشار البدوي العاني مشاهدة المشاركة
    القمر مختال كعادته لم يكتف أن يتربع في صحن السماء زهوا و غرورا بل رسم صورته على صفحة الماء الجاري المتدفق انسياباً و عنفواناً .
    كانت ليلة صافية , زادته بهاء و زينت ما حوله لألئ در مشرقة من نجوم و كواكب , فكان كنحر غجرية تحلقت من حوله حبات اللؤلؤ و الزبرجد.
    على ضفة النهر العظيم العتيق , وفي أحد الزوايا القاتمة تحت جسر معلق مهترئ , جلس رجل في منتصف العمر يراقب صفحة الماء السارية المدبرة بوجوم و ضيق , ولم يعبأ لا بالقمر ولا بالسماء ولا بالنهر.
    تتخلل دقائق صمته وهواجسه نغمات حزينة يطلقها بين الفينة و الأخرى , أو دمعات ينشفها على صفحة خده ,الذي رسم الدهر به أزقة و دهاليز .
    يصفق أحياناً بيديه محوقلاً , وأحيانا يكتنز رأسه بيديه كأنه يعصره , مطرقاً رأسه إلى الأسفل.
    -(سامحني يا رب) صرخ بصوت عال ممزقاً أمارات الصمت و تيجان الهدوء , و توجه إلى النهر مباشرة خائضاً في مائه ’ وصوت قدميه على صفحة الماء يصدر فرقعة و صخباً , مما لفت انتباه من جلس يختلس صفاء المساء على ضفاف النهر.
    استمر يخوض عباب الماء حتى هم أن يغمره موجه البارد , وازدادت حركاته صخباً و عشوائية , مما دفع عيون البعض بالتسمر لمراقبة المنظر , بينما ركض آخرون باتجاه الصوت , وكأنهم أدركوا أن خطرا ما يقترب , فدفعتهم شهامة ومروءة ,و ربما فضول لاستجلاء الحقيقة.
    صرخ احد المهرولين:
    - كفاك أبا محمد , تعال يا أخي ,الماء باردة و عميقة .
    -كنت اعلم أنني سأجدك هنا هيا.
    كأنما لجمه هذا الصوت الرجولي الرخيم , فسكنت حركته وسط الماء , و توقف دون أن يلتفت إلى مصدر الصوت .
    بقي متسمراً في مكانه , بين تيارات المياه , وخيال القمر المرتسم على صفحتها.
    خاض المنادي غمار الماء بهدوء و خطوات واثقة حتى اقترب من الرجل , وربت على كتفه بحنان وحب , مما دفع الرجل إلى الالتفات و الشروع في نوبة هستيرية من البكاء , معانقاً ذاك الرجل شاكياً مهمهماً بكلام غير مفهوم , طمست معالمه حشرجات النشيج وبعثرته هبات النسيم .
    همسات قليلة تبادلها الاثنان كانت كافية بإقناع أبي محمد بالخروج من الماء بخطى متثاقلة ومحملة بوجع مبهم ,
    كانت معلنة نهاية تجمع الناس و مشاهدتهم هذا العرض التراجيدي الحزين.
    عادت عيناي إلى مراقبة جريان الماء و أسراب أعواد (الزل) المنتشرة بجمال على ضفاف النهر , والى قفز الضفادع الجائعة على صفحته , طالبة فريسة دسمة من أسراب الحشرات المحلقة.
    ما زلت أفكر (بهذا العجوز) وأخمن ما الذي دفعه للتوغل في حضن هذا النهر.
    وبعد ساعات قررت الرجوع إلى منزلي معلناً نهاية رحلتي النهرية , قافلا أجرجر أذيال الهزيمة و الخذلان , بما أن صنارتي لم تفلح في اصطياد أي شيء من هذا النهر , لا سمك , و لا حتى ضفدعا أو فارا.
    في طريق العودة وعند دخولي أحد الأزقة المؤدية إلى بيتي مستلاً صنارتي الخائبة , تصادفت برجل مسرع يهم بدخول الزقاق , ولولا ستر الله لفقأت صنارتي عينه معلنة عن أول صيد لها منذ دهور.
    - أنا جد أسف لم أنتبه يا سيدي لدخولك.(صوت متلعثم يملؤه الخجل)
    - لا عليك يا بني حصل خير.(بهدوء وإيمان)
    تسمرت في مكاني , وأنا انظر إلى ذاك الرجل , الذي لم يكن في الحقيقة : سوى الرجل المنقذ الطيب.
    أهلا ياعم لقد رأيتك و أنت تخرج أبا محمد من الماء و.....
    -أخي الأكبر المفجوع بغرق وحيده في هذا النهر , أعانه الله لقد ذهب عقله حزنا وكمداً.
    لم تستطع شفتي أن تنبس بكلمة واحدة , ولا برد سلام المنقذ المودع , وهو يهم بالفرار من سيل أسئلتي الجارفة ,التي ارتسمت بوقاحة و فضول على محياي فآثر الرجل أن يفر من أعبائها و تبعاتها.
    أحسست بمرارة و حرقة يختلجان في حنجرتي وكأنما صخرة نبتت في جيدي.
    وأدركت الآن لماذا غاب جمال الأمسية عن عيون ذاك المسكين ولماذا غدا ذلك النهر المتفجر حيوية و خيراً مصدر تعاسته و قهره وصار قرص البدر المرتسم على صفحته شبح موت يقهقه بفزع وشماتة.
    أخ بشار.

    الكمد غلب على قلبه...و دفعه للاتحاق بفلذة كبده. سيما و أن الولد وحيده. لن يتحمل فراقه بسهولة.
    تحياتي

  9. #9
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    أساتذتي الكرام : ربيحة الرفاعي , آمال المصري , كاملة بدارنة , داء غريب صبري , محمد الشرادي
    يسعدني مروركم وأتشرف بكم وبملاحظاتكم السديدة
    لكم شكري وتقديري.

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد عبد المجيد الصاوي شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2013
    الدولة : فلسطين ـ غزة
    المشاركات : 1,302
    المواضيع : 184
    الردود : 1302
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    بداية ..
    أخي الحبيب أ. بشار البدوي العاني
    الشاعر والقاص ..
    كنت اطلعت سابقا على مسرحية لك هنا
    وأذهلني قدرتك على الكتابة المسرحية
    وها أنت تذهلني في قدرتك على امتلاك تقانات القص
    بسردية تمسك بمتن القصة ونسيجها
    وحوارية متوازية تلقي بسهامها لتترك المتلقي في حالة من المتابعة الشغوفة
    دون حشو أو إطالة أو تعقيد

    تصحيح لكلمة : لألئ : هي بالهمزة الممدودة لآلئ .

    مودتي وتقديري
    https://www.facebook.com/photo.php?fbid=387397961395449&set=pb.100003757443  881.-2207520000.1388969228.&type=3&theater

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. في ذكري العدوان الغادر على مدرسة بحر البقر 1970
    بواسطة ثروت محمد صادق في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 22-08-2015, 08:05 PM
  2. الحب في الزمن الغادر
    بواسطة صابر حجازى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 26-01-2015, 05:47 PM
  3. التحالف الغادر إيران أمريكا إسرائيل
    بواسطة محمد محمد البقاش في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 31-10-2012, 07:01 AM
  4. كلمات تائهة على صدر النهر
    بواسطة د . حقي إسماعيل في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 30-12-2005, 11:58 PM
  5. النهر
    بواسطة ياسر عبدالباقي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-09-2003, 11:36 AM