لم يستغرقه التفكير ثانية واحدة .
الهاتف لا زال بيديه ، وصوت ضابط المخابرات الإسرائيلي يرن في أذنيه : هل تحب أن تموت وحدك ؟
يصرخ مرات : نعم ,, نعم
وبدون تفكير يجيب : أحب أن أفعل ، اتركوا أطفالي وزوجتي .
- إذن اخرج من المنزل فوراً
يتجه مسرعاً إلى زوجته في المطبخ ، يحتضنها دون أي كلمة ، يحتضنها كأنه لا يريد تركها ، تبتسم في مرارة
تقول ودمعتها على خدها : إلى الميدان مرة أخرى .
فلا يجيب ..
يتجه إلى طفليه ، يحتضنهما معاً ، حتى أن ( مها ) تأوهت ، فتحسس شعرها في حنو ، وقال (أحمد) : خذني معك يا أبي .
يتجه أبا أحمد للباب مسرعاً ، تستوقفه زوجته : لم تلبس زيك ، ولم تأخذ كاميرتك ؟ إلى أين أنت ذاهب ..
يتصنع ابتسامة : الصحفي لا يحتاج إلى زي ، عيناي كاميرتي ، لا تقلقي يا حبيبتي ..
تناوله صورة تجمعهما والأولاد ، يتأملها في حنو ، ثم يضعها في جيبه ..
يخرج أبا أحمد ، يهرول هارباً من المنزل وكل ذرة في جسده تقول لصاروخ العدو : اتبعني
لم يتوقع ألماً ، أو أن يسمع صوتاً ، منذ بدأت الحرب أدرك ، وأدرك كل سكان غزة ألا يخافوا من صوت الصاروخ ، لأن الصاروخ الذي لن تسمع صوته هو ذاك الذي سيقتلك .
سمع الأزيز المميز المخيف ، ثم صوت انفجار خلفه ، لم يصم أذنيه كباقي الناس في الشارع ، ولم يلتفت وراءه إلا بفيضٍ من دموع ووجع ..
الهاتف لا زال في يده .. ربما لم يزل الخط مفتوحاً مع قاتله .
اتفقنا أن تقتلني مرة .. لا ألف مرة .
يتأمل الصورة الوحيدة التي ظلت من منزله وحياة أطفاله المسلوبة .
يصرخ في صمتٍ مجنون ، وأشلاء أطفاله تتطاير خارج حدود الزمان .. ليتني لم أقل نعم .