كيف زُينَّ لضميرك يا أبي تَرك يدييّ الصغيرتين فارغتين خاويتين من عطفك وحنانك الغامر؟.
لطفلة ألفت المبيت على صدرك, واللعب في شعرك, والركوب على كتفيك؛ لتنقلها من جهة إلى جهة, و استلجامها لشعر لحيتك,فتغني لها ما عذُب من ألحان الشوادي وترانيم الحوادي .
تركتها بعد أن اعتادت نعمة وجودك ,وأمانا في حدودك؛لتفاجأ بنفسها على هاوية بلا سند ,وقارعة لا تحوي عمودا ولا تدا.
التفت وراءك يا أبي لتجد مُدلَّـلتك ترسم على الطين, وتلعب بالحجر والعود, لتسلي نفسها بالأمل الموعود ساعة عودتك,
لمَ الصدود؟؟؟.
وأنت من تُعين القاصي قبل الداني, وتَسمع للبعيد قبل القريب.
أنت وما أنت إلا فيضٌ من رحمة,ونبعٌ من عطاء, ودوحةٌ عظيمة الأفياء لا تهرم ولا تبلى ,ومثال للشجاعة المرجوة في زمن تهاوى فيه عناتر القوم أمام الجبناء.
مالك يا أبتاه ترمق ابنتك ؟.
وهي تبيت على الطوى, وتتضرع من البرد والرعاش, الذي حلّ بها دون أن تحرك ساكنا, وتشعل دفئا؟ .
أتذكر ياأبتاه كيف كان عِقالك عجلةً ألهو بها, فإذا به اليوم كمجلادٍ فضٍ يضرِبُ ظهري الصغير الهش؟ .
و كنت يا أبي إذا أصابني خدش هواء فضلا أن يكون خدش خشب أسرعت,بل قفزت وطرت إليّ لتحملني بين ذراعيك, وتطوقني في غُمّرِ حنانيك؛ ليغرق جسدي النحيل بين عرض منكبيك,فلا يُرى إلا أطراف أصابعي ترقص من الألم, وإن شئت قُل من الدلال,الذي هلَّ عليها؛ فتراقصت له , وأنت تمسح على رأسي ,مُبسملاً ومُوحقلاً ونافثا بالمعوذتين ,ومُزيحا عن وجهي خصلات شعري الأسود؛لتطبع قبلة بين عيني.
تهزني حتى يغلبني النوم, فيذهب الألم, ولا ذَهاب له إلا من فرط دلالك .
واليوم وأنا التي من صلب ظهرك, ومن حملت عروقها دمك,واشتد ساعدها من خيرك ياربيب الخير,تسمع أنيني فترمقني من بعيد, وإن كنت قريبا,فتعجز عن حملي وقد غدوت أخف من الريشة, فما أقساها من معيشة ؟
وأنا سموك الذي امتلأ ناظرك به,ودلالك الذي ذابت له جلاميد قلبك,وعلوك الذي نازعت من أجله الرواسي الثقال, حتى غار مني من كان قريبا منك وإليك .
أتراها العيون باغتتك؟.
فلا والله لا؛لأنك لست بالهين الذي تُصدِدّهُ العيون ولا باللين الذي تكسره.
أي أبي أنا قطعة من جسدك سقطت فأسميتها السمو, ومضغة من قلبك نبضت فوضعتها موضع العلو.
فأدرك ضعفها, وارحم خورها,فلم يعد باقيا من طفلتك إلا عظام قاربت على النخور,وروحا أوشكت على الثبور, فأغث أنفاسك لاأنفاسها -ياأبتاه- قبل أن تختنق, ونبضك قبل أن يقف,فما أسهل خروج روحي الغضة اللينة .
نعم طفلتك التي لا تزال متعلقة برقبتك تريد أن تقبل هامتك, وتلتحف بحضنك .