الرمادي ..حزمة من الأشرعة التي يئن منها البحر وهي تعكس على صفحة التيارات المتوترة صورتها الحقيقية وتجرفها أمواج اليأس المتفائلة نحو المدن عندما ترتفع أصابع النوى بمحاذات المساحة الخالية عدا من تفكيرنا المبرمج في استساغة لون معين او شكل محدد مسبق في الذاكرة بفعل حليب التقاليد الغير قابل للفطام...نشكو وتشكو أوداج الليالي حتى يشتد الوتر في تضييق الخناق على نسمات أحلام العصافير وفي النهار تتعلق الشكوى في احد أدراج الزمن ...ويتم تغليف المسكوت عنه بالشمع الأحمر..ليقيدوا القضية ضد المجهول مع ان الجاني يتناول وجباته اليومية على مرمى ومسمع الأنظار.. ويغمس لقمته بالرماد ولابد ان يحتطب من غابة أمتدت الى مقابر الرجال .
كل عمل قمت به أيها الحبيب.. مازال يزدهر بين العقول التي عاصرت أيامك ليقولوا فقط يرحمك الله يا أستاذنا حتى الذين لم يصادفهم الحظ و سمعوا بك فقط ..وحتى الذين ضحكوا معك وهم في سرهم يقرصون ضمائرهم الباهتة التي سرق نصاعتها الحسد عن شيء يعرفونه ويخفون وشيء لا يعرفونه ويظهرون ثم يراءون به عندما تتعب الأقنعة عن فضح عرق الأدمة وتلك عن الوشاية بك بأنك تستغل مدرسة حكومية لتعليم التلاميذ اللغة العربية وهذه كانت جريمة عظمى في نظر السلطة الاستعمارية درءا من انتشار الوعي بين الناس وجبر الكسر بالثوار ثوار تطهر الأجواء عن الأغبر الفاسدة والأدخنة الخانقة لتقرر مصائر أمتها وهذا لا يتحقق في ظل تتبع الذيول وأثر وميض يؤدي الى ليل داجي الضحى , وما هدف الاستعمار من كل هذا سوى قطع الجذور وبتر السرور ونشر الجهل والفجور حتى بين الجياع ..لكن كما قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كل عمل ابن آدم زائل عدا الصدقة الجارية ومن وضع حجر العلم على أرض الجهل يظل كما النهر الجاري وكأنه يحاكي تلك الأمواج التي كانت تعانق صخرة ضريح جدك التي عبثت بما حولها يد الطبيعة وتركته صامدا ليؤكد بأن الهجرة الى هذه الأرض لم تفقد جدواها ..
أيها الحبيب ! المحبة التي زرعتها في النفوس كتلك المدرسة التي أفنيت بها عمرك وظل تلاميذها بتنوع أفكارهم لاحقا وتباين المجالات التي اختاروها فيما بعد وحتى الذين لم يكملوا المسار العلمي إلا إنهم يحملون قليلا في دواخلهم من تلك المبادئ السامية التي كنت تحملها وان طرأ عليها بعض التغيير إن الطبيعة لا تبقِ الشيء على حالته ولابد ان المطر يأتي ليسقى ولكنه أحيانا يأتي ليغرق وليحرق ..وإصرارك على عدم تغيير المنهج الدراسي والإبقاء على كتب قديمة تغيرت في موطنها الأصلي (طبعات الكتب القديمة) ( جمهورية العربية المتحدة ) حملت هذا الاسم ولكنها لم تضع حملها وأصبحت في علم العقم خصبة وفي الخصوبة عقيمة ..ذلك الحلم مازال كتويج القرنفل الحزين وندى الأمل , يتثاءب على حواف الضوء في كل الفصول ببارقة وميض يقود خمائل الفراشة الغض لينتقل في أرجاء بساتين أمتنا العربية التي رغم الهزائم إلا ان الشمس لم تحرمها من إنتظار الفجر الآتي ومسار الجموع المجتمعة على الكلمة الواحدة لـــــ تحرير القدس وتكريس ما يلزم لهذا بيد أنك بدأت هذا بحلم صغير صغير ولكن التخلي لهو إثم كبير وما مطالب الحياة في ظل الجهاد من أجل فتات الخبز مطلب حقير , وأنت مسحت على غرة الأمل بيدك الحانية بكسر قوانين الدولة الاستعمارية في الوطن لمنع تعلم اللغة العربية في المدارس الحكومية وحصرها في معاهد فردية ..وكان هدفك بأن الجهاد يبدأ حبوا نحو الدرب الصحيح والمسافة الألف تبدأ بخطوة.. أما التسلح بالعلم والالتصاق بلغة الأم الكبرى لغة القرآن هو التقية من عوالق الأفكار وصيانة من انحلال الأمصار وتعدد القلوب في هيمنة الغشاوة على أذهان الأحرار …….كلما عانقت نظري تلك الكتب ( كتبك ) رغم اصفرار ألوانها تتسامى نفسي نحو العلو لأجلس على اقرب معقد هناك في احد أركان القمر لأن فضته المتسللة من نافذة ذكراك تروي قلبي الظامئ.. هلمي أيتها المزن لأحارب بك الجدب وهل لجذوة اللهب يمكنها أن تصنع جبلا جليديا أوتاده تصافح البركان ..؟؟؟..لهذا يا أبي أحببت أن تربط الأجيال في الوطن بالأمة العربية بهذه الجامعة التي تنصل عنها الجميع امام العدو ووقف بها رجل واحد ..هل اخبرك اسمه... إنه عمرو موسى ..وها هم الآن يتفرقون على الدويلات وينقسمون على أقاليم وحتى اللغة المحلية يختلفون عليها وكل يفكر فقط بنفسه ..العجيب إن التاريخ يتم غسله كل يوم بالصابون ومن أعجب ما صادفني عندما قابلني شخص وشى بك لجبهة التحرير بعد وشايتهم ايضا بك الى السلطة الاستعمارية وكلا الجانبين أضداد ..قال لي : خاطبني بــ يا ابنة صديقي.. أنظر الى المفارقة بيد إنه لم يكن لك صديقا ولكنه علمني درسا بسهولة عن كيفية تزييف التاريخ,, وتركته يكذب فما جدوى أن أكذبه ..سوف أتعب اذا حاولت ملاحقة الكذب لأنه يوميا يمارس ألعابه الأولمبية .. طرفة أولى:
أخبرني قريبك عن حدث طريف قمت به عندما نزلت في مدينة مصوع حيث جاور غرفتك شخص معروف عنه بخفة اليد (مصاب بداء السرقة ) جاءا اليك شخصين آخرين يقيمان في غرفتين بجوارك وهم في خوف وهلع من هذا الشخص
وقال لي هذا الراوي بأنك هدأت روعهما إذ اقترحت على الاثنين ان يدسا تحت مرتبته محفظاتكم الثلاثة لأن غرفته في مأمن من هذا السطو المرتقب وما ان جاء الليل وأقبل الفجر تسلل ذلك الشخص الى غرفكم وبدأ في تفتيش جيوبكم وباقي أمتعتكم تفتيشا دقيقا حتى خرج خاوي الوفاض وبالتالي لم ينتظر الى ان يصيح الديك وترك النزل , وعندما ذهبتم إلى غرفته وأخذتم محفظاتكم التي كانت في مأمن من وصول يده لتضحكوا طويلا , وأنا كذلك ضحكت بملء روحي بل بملء عيوني وأحسست بأن عيوني كشواطئ البحر الأحمر التي تلمع على سطوحها أشعة الشمس رغم أدخنة البواخر المارة التي أصبح البحر الأحمر سوارها الذهبي على معصم أمنها ويا قراصنة الصومال لا ادري لماذا أحبكم ربما مازالت بقايا سن المراهقة الضالة في عصرها ظهرت بوادرها الآن ..
طرفة ثانية :
ونادرة أخرى سمعت بها بأن هناك في قريتك الجميلة كانا رجلان ...اختصما ذات يوم و عجزت معهم كل وسائل الصلح ..أحدهما كان يعاني من اضطراب نفسي طفيف رغم انه كن يتوخى الحرص في سلوكه ...
والآخر كان يعاني من مرض جلدي مزمن ينتقل إلى كل نقطة سليمة من جسده حتى كاد يغنيه عن الملبس وظلت هذه العداوة بين الاثنين كوجبة يومية حديث القهاوي حيث ان تلك القرية الواقعة على ميناء صغير كانت تلم شمل سكانها بحب وألفة إبتداءا من رفع جفن الشرق واتساع حدقتاه الى إغماض جفن الغرب الى ان تلتحف المنازل المتناثرة بنسيم الليل الممتطي لصهوة أمواج البحر ..وكانت مواجهتهما لبعض مسألة خارج عن إرادتيهما حتى يأس الجميع إلى أن تطوعت أنت للصلح بينهما ,حين قال لك الجميع بأن هذا الأمر لا يمكن انجازه , إلا انك أصررت على قيامك بالصلح بينما ..
قلت للأول لا تأخذ بتصرفه بأنه يعاني من الاضطراب النفسي وهذا ينعكس عليه بصورة سلبية ولكنه طيب رغم هذا وهو يذكره بالخير دائما
فرد عليك وهل هو يذكرني بالخير ؟
قلت له نعم , عدا تصرفاته الغريبة عندما يقابلك و هذا أمر يرجع لنفسيته فوافق الرجل فورا على أن يتصالح معه .
ثم ذهبت إلى الآخر وقلت له فلان يذكرك بالخير وقال لك كيف وهو يفعل كذا وكذا كلما رآني ولي شهود وهم أنفسهم من حاولوا الصلح بيننا وفشلوا
فجاوبته بأنه يتصرف أمامه بشكل غريب بسبب معاناته الجلدية وهي تفقد الشخص السيطرة على بعض تصرفاته وهنا بكل بساطة وحكمة عميقة أوصدت باب الخلاف الذي كان سيرثه الأبناء لهذان الرجلان ..مازلت انبش في كنوز الذاكرة لأن صوتك يصدح في أرجاء صباحاتي ..