كان يسير في أحد الأسواق متنقلاً بين المحلات التجارية يهيء لأسرته مستلزمات العيد واحتياجات المنزل منهمكاً في اختيار أفضل الموديلات من الأثاث الراقي والملابس الفاخرة والورود والهدايا والعطور وهو يتنسم عطر العيد وفرحة الأولاد .
وفي تلك الأثناء سبقته نظرة إلى ساعة يده واذا به وقت الصلاة فتوقف عما كان فيه لينطلق خاشعاً إلى المسجد القريب وما إن صف قدميه في محراب الصلاة وبدأ الإمام ذو الصوت الجميل يرتل القرآن حتى سرح الخاطر إلى هناك إلى رحاب البيت الحرام حيث يقضي الحجاج أجمل وأسعد أوقات حياتهم في روحانية وطمأنينة لا تستطيع جميع سعادات الدنيا أن تهبهم لحظة واحدة تماثل ما هم فيه من الهناءة والراحة النفسية بالقرب من رحمة ربهم تبارك وتعالى وبينما هو كذلك يهيم قلبه صلفاً وصبابة إلى البيت الحرام إذ بدمعة خفية تنساب على خده لا يقوى على ردها وهو يتعجب من هذا التحول المفاجئ في مجريات تفكيره حتى هامت روحه محلقة في تلك الأجواء وتتناسب الآيات مع موقفه فتزداد نبضات قلبه لتتراص متكاتفة تطالبه بأن يجنح معها مستعلياً على كل نداءت التثبيط والمشاغل الدنيوية .
وما أن فرغ من صلاته حتى وجد شوقه يتزايد وروحه تكاد تطير من صدره شغفاً بلقاء نفحات الرحمة الربانية فانطلق يجهز نفسه ميمماً وجهه شطر المسجد الحرام رافعاً أكف الضراعة إلى مولاه ملبياً وقد ضمه البياض تقطع خطواته مسافات الأرض لا يرى شيئاً غير تلك البقاع الطاهرة ولا يشم أطيب من رائحة الحبيب اثر خطاه التي تركت عبقها عبر التاريخ يسنشقه المشتاقون إلى ربهم كل عام تأسرهم تلك النداءات الخالدة التي أطلقها أبراهيم عليه السلام بايعاز من ربه وبذلك الأذان السرمدي الذي تلامس كلماته أفئدة العباد فتهوي إلى البيت الحرام بجاذبية مختلفة عن أنواع الجاذبية ألارضية بل هي جاذبية سماوية فريدة انها شوق من نوع آخر لا يفهمه إلا من تغلغل في قلبه وعاش لحظاته بنفسه انه الشوق الكبير إلى أرض الحرم ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) شوق من نوع آخر!.