ثلاثية الأزهر والإعلام والشيعة
الإعلام شيطان العصر ,
ربما كانت هذه العبارة مفتتحا غريبا للتعبير عن بداية هذا المقال لكنه مفتتح صائب الإشارة دون شك , فما يفعله الإعلام منذ بداية العصر الحديث فى الجماهير يُعد فعلا تعجز عنه الشياطين , لما تمثله وسائل الإعلام التى انتشرت وتأصلت بشكلها الجديد منذ بداية القرن العشرين وأصبحت وسائل ربط ووصول خرافية تحقق عنه ما تعجز عنه الجيوش عبر الصحافة والإذاعة والتليفزيون , ثم الفضائيات ووكالات الأنباء وشبكة الإنترنت التى ربطت شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه , وظهرت أساليب وفنون الإعلام التى تقلب الباطل حقا والحق باطلا وتغير نظرة الجماهير وتقلبها 180 درجة بحملة إعلامية واحدة !
والأمثلة أكثر من أن تحصي فى هذا الصدد ,
فما فعله أساطين الإعلام من اليهود عقب الحرب العالمية الثانية جعل من مجرد التصدى لأكذوبة واحدة من أكاذيبهم ضربا من المستحيلات , كما تمكنت النظم القمعية من السيطرة على شعوبها وسلبها أدنى حقوق التعبير بالسيطرة على وسائل الإعلام التى تقوم بعملية غسيل منظمة كالتى فعلها السوفيات عبر ثمانين عاما من دولتهم الشيوعية التى سقطت فى نهايات القرن الماضي
كما تمكنت المذاهب الفاسدة من بسط سيطرتها على الجماهير وتلويث كل مذاهب الحق بحسن استخدامها للإعلام تحت شعارات مختلفة مثل الحرية والتوحد وغير ذلك من الشعارات التى تخفي الأسباب الحقيقية تحت غطاء من السكر تبتلعه العوام
ومهما تحدثنا عن الحملات المنظمة فى الإعلام والتى استهدفت الإسلام كدين وعقيدة وجمهور لن نوفيها حقها فالإسلام هو أكبر الأهداف التى وضعتها مختلف القوى فى الخارج والداخل كهدف استراتيجى مورست ضده مختلف حملات التغييب والتشويه
ووقف الفقهاء والمفكرون والمناضلون يبذلون أقصي جهد لمحاولة التصدى بأسلحة إعلامية لا ترقي أبدا إلى قوة واحتراف أسلحة الخصوم وتعددهم , ومع ذلك نجحت المؤسسات والأفراد الذين وفقهم الله تعالى للذود عن دينه فى إحباط الكثير من أساليب المستشرقين واليهودية والصهيونية والعلمانية والشيوعية والقوى العظمى وأصحاب المذاهب المنحرفة التى اتخذت شعارات التوحد والإصلاح كمدخل لضرب الدين من الداخل
وساعد فى نجاح المقاومة أن العامة من المسلمين ـ وإن كانت تنخدع لبعض الوقت ـ إلا أنها سرعان ما تنفر بطبيعتها من النداءات الشاذة عن عقيدتها السليمة
ومن حرس الحدود الذين كان ولا زال لهم دور مركزى فى صيانة الدين , مؤسسة الأزهر الشريف الذى أسسه العبيديون ـ الذين اشتهروا خطأ باسم الفاطميين ـ بغرض نشر المذهب الشيعى الإسماعيلي " 2 " بكل ما حمله من كفر صريح أدى بالحاكم بأمر الله خليفتهم الشهير إلى ارتكاب موبقات ما ارتكبها مخلوق بعد فرعون عندما ادعى الألوهية ومارس الطغيان والقتل والتعذيب على مختلف طبقات الشعب حتى انتهى أمره كما تروى أحداث التاريخ بقتله على يد رجال شقيقته ست الملك وغير ذلك من سيرة تلك الدولة الموبوءة التى نقلها لنا المؤرخون الكبار كالسيوطى وبن تغر بردى وغيرهم
فتصدى علماء الأزهر نفسه ومعهم سائر طبقات الشعب عبر مائتى عام لتلك الممارسات وحاربوها بشتى أنواع المقاومة حتى اقتلعوا جذور العبيديين ونسفوا دولتهم , وكان للعامة إلى جانب صلاح الدين الأيوبي" 1 " الذى اقتلع دولتهم دور كبير فى مكافحة تلك المعتقدات فردوا على لعن الصحابة فى الآذان فى مساجد الدولة بأن ختموا الآذان بالصلاة والسلام على محمد وآله وصحابته فيما عرف بعد ذلك بالتهاليل , فى مساجدهم الأهلية والتى لا زالت آثارها فى الريف والصعيد قائمة لليوم
ثم شاء الله تعالى أن يجعل الأزهر الذى أنشأه العبيديون لمحاربة الإسلام والسنة أن يتحول هو نفسه إلى عظمة فى حلق كل مبتدع وأولهم مبتدعة الشيعة الإسماعيلية والإثناعشرية التى نشأت دولتها الأولى على يد الصفويين والثانية بإيران على يد الخومينى " 3 ",
وأصبح الأزهر عبر سنوات عمره التى تعدت ثمانية قرون المرجعية السنية الأعلى للعالم الإسلامى بالإضافة إلى كونه مركز مقاومة شتى أنواع الإحتلال الذى دقت أبوابه مصر ولا زالت صفحات التاريخ الناصعة تذكر مواقفه ضد الإحتلال الغربي وضد المستشرقين
وفوق كل هذا أصبح الأزهر هو المانع الأول والأخير لأى محاولة لتغريب مصر وطبعها بطابع الإستعمار فتصدى لمنع اللغة العربية وصانها علماؤه حتى فشلت الإنجليزية والتركية والفرنسية أن تجد لها مكانا بين الشعب كما قام بدوره فى محاربة طبائع الغربيين ومنع الحكام من تغيير الطابع الأصيل للشعب المصري
وفى العصر الحديث مارس الأزهر دوره رغم مختلف أنواع التضييق الحكومى الذى عجز عن منع فورانه ولهذا نشأت جبهة علماء الأزهر فور أن استشعر العلماء فى الستينيات أن السلطة ترغب فى تقويض دوره ولا زالت الجبهة قائمة إلى اليوم وعبر سنوات القرن العشرين الأخيرة برز من شيوخه الأجلاء أبطال تصدوا لمختلف القضايا الإسلامية حتى لو كانت تخالف السياسة العامة للدولة وأبرزها موقف الشيخ عبد الحليم محمود الذى دعا لأول مؤتمر إسلامى موسع ردا على مؤتمر الفاتيكان , هذا بالطبع إلى جوار الدور الدعوى الذى امتد من أندونسيا شرقا حتى الولايات المتحدة ومن أوربا شمالا حتى أعماق إفريقيا
وفى السنوات الأخيرة عانى الأزهر من الإعلام معاناة بالغة لا سيما من الاتجاهات العلمانية لبعض الجرائد والمجلات الصفراء فضلا على إصدارات وزارة الثقافة التى صارت منبعا لكل تطاول وتجاوز على المقدسات تحت ذريعة حرية الرأى
ورغم التشويه , لم يسكت الأزهر عن ممارسة دوره ولم ترهبه أساليب الصحافة المبتزة , فصدرت عشرات من قرارات المنع والحظر والمصادرة تجاه روايات وكتابات أمثال ديوان الشاعر الماجن حسن طلب الذى صدر بعنوان الآية جيم , وكذلك رواية وليمة لأعشاب البحر وأيضا لكتابات نصر حامد أبو زيد فضلا على ما صدر من صحف صوت الأمة والفجر والغد من اعتداءات نالت من العشرة المبشرين والسيدة عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم فقام الأزهر بتحريك الدعاوى القضائية ضدهم هذا بالإضافة إلى أن الموقف العام الأزهرى ممثلا فى طلبة جامعة الأزهر كان يتفاعل بالتوازى مع تصرف قياداته ,
وتعمد الإعلام ألا يشير بأى نوع من الإشارة لتلك المواقف طمعا فى عدم تسربها مما ساهم مع الأسف الشديد فى الإيحاء بأن الأزهر فقد رونقه القديم لدى قطاعات عريضة من الجمهور
وفى الآونة الأخيرة قامت حملات إعلامية من نوع جديد ضد الأزهر أثمرت مع الأسف الشديد عن انتشار مواقف مكذوبة على الأزهر وتعميقها لدى جماهير المسلمين رغم أنها مواقف لا تمت للواقع بصلة ,
وأولها وأقواها ما انتشر عن الأزهر من القول باعتماده المذهب الإثناعشري كمذهب خامس يجوز التعبد به ونسبوا هذا القول للإمام الأكبر الراحل محمود شلتوت هذا فضلا على قيام الصحف المختلفة الممولة بالإعلانات المدفوعة الأجر من الترويج لنفس الكذبة ولم تفلح بيانات الأزهر أو دار الإفتاء فى توضيح الموقف لعدم امتلاك الأزهر طريقا إعلاميا حياديا يواجه طوفان الإعلام الجارف الذى يصل لكل بيت
فإليكم موقف الأزهر الشريف وعلمائه والذى تم بتر مفهومه والتغطية على أهدافه من الصحف ووسائل الإعلام لغرض فى نفس يعقوب !
أولا : قصة فتوى الشيخ شلتوت
الشيخ محمود شلتوت
لست أدرى كيف مر بخاطر البعض أن الأزهر من الممكن أن يعتمد المعتقد الشيعى الإثناعشري بكل ما يحويه من انحرافات فى أصول الإعتقاد , وقد غاب عن ذهن الذين خُدعوا بموضوع فتوى الشيخ شلتوت أن الفتوى لا تتحدث عن المعتقد الإثناعشري بل تتحدث عن المذهب الجعفري واحتوت فى متنها إشارة واضحة إلى ذلك , والعبارة التى تم بترها من الفتوى هى التى تبين هذا فقد احتوت الفتوى نصا صريحا على أن المذهب الجعفري المتعبد به عند بعض الفرق , والذى تدعى الإمامية أنها تقوم به فى الفروع هو مذهب فقهى معتمد لدى علماء المسلمين ما دام المذهب المنسوب لجعفر الصادق منقول نقلا صحيحا
والعبارة الأخيرة هى التى تم بترها بوسائل الإعلام واتخذها دعاة التشيع مدخلا للقول باعتماد الأزهر لهم حتى يواصلوا لعبتهم فى نشر التشيع فى مصر والعالم العربي , وقد أظهر الشيخ عثمان الخميس فى مناظراته مع الشيعة فى قناة المستقلة" 4 " أن فتوى شلتوت رحمه الله بهذا المفهوم لا يختلف معها أحد , فقد نصت الفتوى على أن المذهب الجعفري هو المعنى بها , والمذهب معتمد بنقله الصحيح فى الفروع بينما لا يمت بصلة للافتراءات التى يدعيها الإثناعشرية فى الأصول من القول بالبداء والرجعة وبعصمة الأئمة وتحريف القرآن إلى غير ذلك من المعتقدات التى لا تمت بصلة للإسلام
والمذهب الجعفري الحقيقي هو الموجود عند فرق أخرى التى تخالف الإثناعشرية فى كل ما يدعونه وتعد الزيدية هى الأقرب لأهل السنة الذين نقلوا أيضا فقه جعفر الصادق فى مختلف كتبهم لا سيما الفقه المالكى
شنت جبهة علماء الأزهر في مصر، هجوما واسعا بحق الإيرانيين، كما دانت الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب، إنه لا يرى فرقا بين السنة والشيعة.
وقد استغلت حركة التشيع التى تقوم بنشاطها خفية فى مصر فتوى الشيخ شلتوت لإيهام الجماهير أنهم لا يختلفون ـ كشيعة ـ مع السنة إلا فى بعض المسائل الفرعية وانخدع العوام بذلك وأيضا جمهرة من العلماء والمفكرين الذين لم يخبروا أساليب التقية المعروفة لدى الشيعة
كما ساهمت الخلافات السياسية والفقهية فى منح بعض النجاح للإثناعشرية , فالخلاف الفقهى بين الحركة السلفية وبين بعض علماء الأزهر أو المفكرين من غير المنتمين للتيار السلفي تعاطفوا مع الشيعة الإثناعشرية لأن السلفية هى التى حملت اللواء الأكبر فى العصر الحديث لحرب هؤلاء القوم , فاستغلها الشيعة ليؤكدوا أن السلفيين يتجنون عليهم , ولكن الله سلم فى أن الزمرة المخدوعة بدأت تفيق مع ظهور الكتب والمراجع المخفاة من كتب عقائد الإثناعشرية وانتشارها مع انتشار وسائل الطباعة والنشر والإنترنت والمناظرات وكل تلك الوسائل فضحت كثيرا مما قف شعر رأس العلماء الذين ناصروهم لهوله ودفعتهم للتراجع عن مواقفهم نهائيا والانقلاب ضد التأييد القديم
ومع الخلافات الفقهية جاءت الخلافات السياسية بين عدد من المفكرين الكبار الأكفاء والكتاب الجادين وبين النظام الرسمى فى مصر لتصب فى صالح أنصار التشيع بعد أن ظهر عداء النظام السياسي لإيران وحزب الله , وعلى الفور وكما هى العادة اتخذ المعارضون للنظام الخط المقابل لتوجه السلطة دونما أن يتبصروا لحظات لخطورة هذا الأسلوب , فالمعارضة السياسية للنظام لا تعنى أن يتخذ المعارضون توجهات عكسية للنظام فى مطلق الأحوال وإلا كانت كارثة !
فالمفروض أن المعارضة الجادة تتخذ المواقف سلبا وإيجابا مع النظام أو ضده حسب نوعية الموقف ذاته
ومن أمثال هؤلاء إبراهيم عيسي الذى اتخذ موقفا معاكسا مثلا تجاه قضية منتظر الزيدى الذى ألقي بحذائه فى وجه بوش خلافا للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية لمجرد أن النظام الرسمى شجع عبر قنواته وصحفه حملة الشماتة فى بوش الإبن فظهر عيسي على الناس بمقال أعرج تحدث فيه عن الإحترام الذى يجب أن يكون من الصحفيين تجاه بوش مهما كان إختلافهم معه ! وهو تصرف لم تجرؤ الحكومات المتواطئة مع بوش على اتخاذه علنا
وبالمثل فتح إبراهيم عيسي جريدة الدستور وكذلك برامجه التى يقدمها لمناصرة الإثناعشرية لمجرد أن النظام الرسمى يعادى التوجه الإيرانى سياسيا , بل زاد عن هذا بأن قدم فى برامجه على قناة دريم" 5 " عشرات الروايات المكذوبة تاريخيا والتى رواها الشيعة فى كتبهم وافتروها على الصحابة وأمهات المؤمنين وقام باعتمادها باعتبارها مرويات ثابتة , وهو بهذا الأسلوب ذكرنا بخطه القديم الذى تخلينا أنه قد تركه فإذا به يعود إليه أشد مما كان عليه فى بداياته الصحفية عندما نشر العديد من الكتب مهاجما كبار أئمة وعلماء المسلمين أمثال الشعراوى وغيرهم تطبيقا فقط لمبدأ المعارضة فى المطلق !
وقام إبراهيم عيسي بحشر نفسه فى نفس الخندق الذى دخله طواعية من قبله عادل حموده ومحمد الباز ورجب هلال حميدة المعروفين بانحراف أغراضهم والذين استقطبتهم حركة التشيع بقيادة محمد الدرينى ومحمد القمى صاحب جماعة التقريب وأحمد راسم النفيس وأحمد هلال ,
وبأموال الدعم الإيرانى واللبنانى قاموا بنشر الإعلانات والموضوعات مدفوعة الثمن فى الجرائد المعروفة بانحرافها الأخلاقي مثل الفجر وصوت الأمة والغد وكانت ثلاثية المؤامرة الصحفية تلك هى التى نشرت فى توقيت واحد موضوعات وملحقات تسيئ لأم المؤمنين عائشة والعشرة المبشرين وراوى الحديث الأشهر أبو هريرة باعتبارهم أسوأ شخصيات الإسلام والعياذ بالله وهو ما عبر ضمنا عن مصدر تلك الموضوعات لأن الإثناعشرية لا يتخلون أبدا عن حقدهم الدفين تجاه هذا الجيل الرائد
وانكشف التآمر لأن الذين اختاروا الجرائد لم يحسنوا الاختيار فوقعوا على الجرائد التى لا هم لها إلا مهاجمة الإسلام والمسلمين ونشر الموضوعات الماسة بالعقيدة ويحفظها المصريون جميعا على أنها جرائد ذات اتجاهات علمانية وآخر ما تفكر فيه هو نصرة الإسلام , هذا فضلا على عدم وجود أى دافع وأى مناسبة لنشر تلك الموضوعات عن الصحابة بنفس الاتهامات المحفوظة التى يوجهها الإثناعشرية للصحابة ويعتبرونها من أساس فرقتهم فى الاعتقاد
وتسببت تلك الحركة الحمقاء فى تسليط الضوء على نشاط فرقة التشيع من جديد فأُعيدت فتوى شلتوت أمام الجماهير ومعها رأى الإمام نفسه فى المعتقد الإثناعشري كفرقة والذى يقول فيه
أن المطلوب من الفرقة الإثناعشرية إذا أرادت التقريب حقا أن تطرح الغلو وراء ظهرها وأن لا يتخذ بعضنا البعض أربابا من دون الله وأن نحارب احتكار فئة معينة للدين فما كان بالإسلام تأويلات باطنية أو أسرار أو أحاج فما انتقل رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة وطلب من أصحابه أن يبلغوه " 6 "
وقائل هذا الكلام هو نفسه الشيخ شلتوت الذى روجوا فتواه المحرّفة عن حقيقتها وهذا هو موقف الرجل يتضح من مقدمة كتابه { إسلام بلا مذاهب } والذى ذكر فيه الموقف السابق
ونفس هذا الموقف هو الموقف الغالب الساحق من سائر علماء الأزهر إلا الندرة منهم التى خدعها القول بالتقريب الذى اتخذه هؤلاء الفئة قنطرة للنفاذ إلى مصر كما هى عادتهم , لأنهم أهل براعة فى استخدام التضليل والخداع باسم التقية والتى لم تفدهم مع الأزهر كما سبق القول وكما سنوضح من خلال استعراض مواقف علمائه ,