رُحماك أيها القمر 2 :
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
جاءت تخطو وقد صار المسك يسترزق في بدنها الطّيْب ! .
لأنه لو فُضّت اللطائم[1] وفاح فوح ،،، لما ماثل الإبط إذا انبلج[2] وفاح منه الفوح ،،، ويال العجب ! .
ثم صار الحسن يستثمر فيها الجمال ، حتى صارت بِدْعا من النساء ، وحتى برأت العين من سماديرها[3] .
أوّاه من إبداع أبدعه الله ثم ساقه إليّ أراه وحسب .
أوّاه من سحر استجمع فيها كما استجمع في الطفلة الدّلّ والغَنَجُ .
أوّاه من حاجب اتّكأ فوق عينها ، إن رقّ قال هاكني ، وإن تمنّع قال دون نَيْلي بَيْض الأُنُوْق[4] .
أوّاه من نَحْر عناق ، نيْلُه لا يكون إلا إذا شاب الغراب[5] .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
ثم جَلَسَتْ ،،، وصارت تعالج قعدتها كأنها تصرّ على الجوهر ،،، تارة تشدّ ثوبها ، وطورا تُسوّي قميصها ،،، كحامل الماء بكفّيه إذ لا طاقة له بمنعه ، بل سيقطر رغما .
وكلما سَتَرَت من بدنها حسنا انْبَجَس[6] آخر !!! حتى ضاقت ذرعا بعد أن أُثقِلَت بالجمال .
ثم نظرتْ وقالت : ما عندك ؟
قلت : أنا !!! ؟
لا شيء ،،، أنت قلتِ في سالف مضى ، أُعْلِمك في اللقاء القادم .
قالت : بماذا ؟
قلت : يال كيد النساء !!! ألم تقولي لي : أنبتعد ؟
قالت : آهه ،،، ذكرتها ، وإن كنتُ سأنساها .
قلت : هاه ،،، ولم نبتعد ؟
قالت : لا لشيء ،،، إلا رحمة بك !!! .
ضحكت وقلت : أوَتسمين البعد رحمة يا فتاة ؟
قالت : في حال ما ،،، نعم .
قلت : والله إني لأراكِ استجمعت في لؤمكِ كما استجمع في شوكه القنفذ .
أين الوصال أيتها القاسية ؟
أما علمتِ أني أعدّ الليلة بعد الليلة ، وأرقب النجم ومن بعده النجم ،،، وإن كدتُ لأحصي الحصى والثرى ولم أحظ منكِ بكلمة .
سَهِمتْ قليلا ثم قالت : وما تلك الكلمة ؟
قلت : والله لا أقولها ،،، فقد أنطق حالي الحجر ،،، وفرّق البحر ،،، وأنتِ كالصخر ،،، إن دُقّ لم يألم ، وإن تُرك لم يحفل .
ثم عادت وذكرت القنفذ فقالت : كيف تشبهني بالقنفذ ،،، أهذه نظرتك لي ؟
قلت : كالقنفذ في حِرزه وحسب ،،، لا كالقنفذ بهيئته .
هزّت رأسها وقالت : أتأذن لي ؟
قلت : إلى أين ؟
قالت : أريد أن أسبح في البحر ! .
قلت : لكِ ذلك .
فقامت وأدبرت ،،، ثم مشت كالوَجْي يمشي الوحل[7] ،،، تستعرض متحدية ممسكا يتماسك .
فقلت لنفسي : أكلكِ الحوت يا حبيبتي .
فوقفت والتفتت ثم قالت : ماذا قلت ؟؟؟ .
قلت : لم أقل شيئا .
قالت : بل قلتَ أكلكِ الحوت يا حبيبتي .
تعجبت وقلت : كيف سمعت بنات أفكاري ؟؟!!
قالت : من سكن حشاي ، وسرى بدمي ، سمعتُ وحيه ! .
قلت : إذن نعم ،،، قد قلت ما سمعتِ .
قلت : ولم ؟
قلت : إما أن تكوني لي خالصة ،،، وإما للحوت يأكلكِ .
ضحكت ثم قالت : هِه ،،، يبتلعني ثم لا يلبث حتى يلفظني .
قلت : لن يلفظكِ ،،، فما لفظ الحوت إلا يونسا ،،، أما وإن رآكِ لتكونين وجبة سائغة له ،،، فاحذري .
فوقفتْ هنيهة ما بين إقدام وإحجام ،،، تدفعها قدم وتمنعها أخرى .
ثم التفتت إلي وجاءت تركض نحوي ،،، فما وصلت حتى قالت : أرحمك على أن ترحمني .
فقلت : بم أرحمك ؟
قالت : ضُمّني .
ففعلت .
ثم تمتمت قائلة : أحبك .
ــــــــــــــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــ
حسين الطلاع
المملكة العربية السعودية – الجبيل .
18/ 10 / 2010 م
[1] : جمع لطيمة وهي زجاجة العطر
[2] : أي ظهر لامعا
[3] : السمادير هي ما يتراءى للعين كأشباه الذباب أثناء التعب والإعياء
[4] : الأنوق نوع من الطيور يضع بيضه في مكان لا يصل إليه أحد من شدة الحرص
[5] : شيب الغراب هو أن يصير أبيضا وهذا محال طبعا .
[6] : انبجس أي انفجر كالينبوع
[7] : أي كالطفل يسير في الوحل يخشى الإنزلاق