لم ينم تلك الليلة أصوات انفجارات القذائف تارة تكون قريبة تجعل الفانوس المعلق يهتز ويهتز معه خياله المرسوم على الجدار.... سأل نفسه بيوت طينية وقذائف تنفجر لابد من وقوع خسائر شهداء وجرحى" الله الستار" قالها بصوته الأجش
في زاوية الغرفة صندوق خشبي مرسوم عليه هلال ونجمة, لقد ورثه وما فيه عن أبيه الذي أوصاه بأن لا يستعملها إلا عند الحاجة القصوى, لم يلتزم بالوصية كما يجب, نعم استعملها في عرس ابن المختار وعند نجاح ابنه في الإعدادية, قبل يومين أخرجها من جرابها, أزال عنها الغبار ومسحها بزيت زيتون وتأكد من عملها بشكل جيد ثم أعادها إلى جرابها
شاهده ابنه محمود وقال مازحا لماذا لا تبيعها وتشتري كلاشنكوف او عوزي, فهذه كالعصا لا تصلح إلا للاتكاء عليها أو للهش على الغنم, غضب من ابنه واعتبرها إهانة قاسية زجره وصاح بوجهه مذكرا من قتل الكلب المسعور الذي افزع سكان المخيم ومن أصاب الأفعى على أم رأسها فسقطت دون حراك في حاكورة أبو درويش, الم تشبع من لحم الغزال السنة الماضية
رد ولده قائلا إن الرصاصة التي تخرج منها لا نستطيع تعويضها, لا يوجد لها طلقات حتى في تركيا التي صنعتها.. الله كريم وبيدبرها.... قال وبصوت خافت....... مشكلة عويصة إذا فقد الرصاصات
لقد عد الرصاصات مرارا وتكرارا عسى أن يكون مخطئا فتزيد واحدة أو أكثر لكن دون جدوى عشر رصاصات لا غير نعم يجب أن تستقر كل رصاصة في مكانها المناسب.
هدأت أصوات الإنفجارات. حاول النوم جالسا ومتكئ على الجدار. لكن صوت المؤذن أيقظه "الصلاة خير من النوم" قام ببطء متخذا الجدار عكاز له, توضأ وشرع بإقامة الصلاة, لقد أطال الركوع والسجود على غير عادته ثم أيقظ زوجته وسألها أن تعد له زوادة... ربطت الزوادة بمنديل رغيف.... خبز طابون وحبات من الزيتون .
علق البندقية على كتفه ..وضع علبة التبغ في جيبه وحمل زوادته , سألته العجوز عن وجهته ... قاصدا وجه الكريم.... قال دون أن ينظر إليها
تجاوز بيوت المخيم من جهة الشرق ... كانت خمسينية الشتاء في أواخرها هذه أيام سعد الخبايا .. تخرج الثعابين من جحورها في هذه الأيام ... تمنى أن يرى إحداها فيقنصه لكي يقنع ولده انه لا زال قادرا على التصويب وبدقة عالية هذه البندقية التي لم ولن تخذله .
شاهده راعي غنم المخيم أخفى ضحكته.... من يرى البندقية على كتفه يظنه حاملا بيرقا, إنها ترتفع عن رأسه ذراعا أو أكثر.
نزل الوادي فلم يجد أي طريدة ,لا بد من اصطياد شيء ,لا بد أن يعود بصيد... أشعل سيجارة وبدء يصعد التلة, قال لنفسه أتظن انك لا تزال شابا نعم.... بندقية ثقيلة وحذاء سميك وقديم وصعود هذا الجبل والله الشباب لا يستطيعون فعلها ... بعد جهد ارتقى قمة التلة ...مع هواء البحر الرطب وبرودة الجو شعر بحيوية ونشاط بحث عن مكان يرصد منه طرائده نعم هذا مكان مناسب بحيث يرى ما حوله ولا يراه احد, اخرج الزوادة من المنديل واكل شطرها ... كان يصغي إلى كل صوت حتى أثناء مضغ الطعام .. بعدها أشعل سيجارة ثم الثانية.. والثالثة لم ير أية طريدة ..فقد الأمل.. حتى سمع ضوضاء من جهة الشرق, لابد أن تكون طريدة كبيرة, نظر مليا ..دقق النظر.. وضع رصاصة في البندقية أطلقها ثم الثانية والثالثة ظل يطلق إلا أن هدأت الضوضاء ...... سمعت زوجته أصوات الرصاص قالت: لابد انه فقد عقله لم يطلق طول حياته هذا الكم من الرصاص.
بعد ساعة رجع خالي الوفاض ولا حتى منديل الزوادة, أين صيدك سألته العجوز ... تركته هناك ... لم استطع حمله... ماذا كان صيدك .. سأله ابنه ... ستعرف ماهية الصيد من الراديو عند المساء.
كان أول خبر سقوط ثمان قتلى من جنود اليهود, ولم تعثر لجنة الأدلة الجنائية إلا على ثمان أغلفة لرصاص بندقية قديمة وبذور زيتون و أعقاب سجاير من النوع الرخيص ومنديل كتب عليه صنع في غزة
فرح الجميع إلا هو تجشم وجهه قال أطلقت ثمان رصاصات ولم أجد في جيبي إلا رصاصة واحدة هناك رصاصة مفقودة هناك رصاصة مفقودة
بعدها وضعها في الصندوق وقال لولده هذه بندقية جدك لا تبدلها بكلاشنكوف او برشاش عوزي ولا حتى بمدفع هاون.
انتهت