على الطريق كانت تتلكأ،لعله يلتحق بها أو يتوسل إليها لتسامحه ،لكن الوقت يلتهمها كما التهم أحلامها ،غزارة الدموع وقوة الأفكار أنستها أن ترد على تحايا المتملقين وكل المتوددين المتوسلين للعبور ثانية عبر ابتسامتها الساذجة.لم ترد على أي منهم ،هيجانها الداخلي كان أقوى من تسونامي ،بل اليوم هي تسونامي .لم تسلم حتى أعز صديقاتها مريم من هيجانها وثورة غضبها ،صرخت في وجهها ردا على سؤال لم تكن أول من طرحته :"ما بك؟؟" فكان الجواب الذي لم تكن أول من سمعته في هذا اليوم الذي ليس كالأيام ،دخلت غرفتها ،كسرت الساعة والمذياع وكل ما يصدر صوتا ،حتى هاتفها المحمول ابتلع رنته وهو يصطدم بالحائط ،تذكرت فجأة أن الرنة الأخيرة ربما تكون له.حاولت بنوع من الندم والأسف أن تجمع محمولها لتقرأ الرقم لكن دون جدوى ،لا صوت يسمع إلا نحيبها المتقطع ،أما داخلها فمشاهد يختلط فيها البكاء بالقهقهات والعناق والقبل والسهر وكلمات الحب القديم وهدايا ورسائل الهاتف المحمول.انسجمت مع الذكريات والماضي الجميل ،ونسيت هموم اللحظة ،لكن صوت صديقتها مريم من المطبخ أيقظها من أحلا م الماضي و أعادها إلى مرارة الحاضر .لامست بطنها ،تذكرت كلمات الطبيب وهو يخاطبه :"أأنت زوجها ؟مبروك إنها حامل" ،حاولت أن لا تبدي فزعها ،لكن هو لم يطق صبرا ،امتقع وجهه تلعثم في الكلام وصافح الطبيب وسبقها إلى السلم ،كانت تهبط بتثاقل بينما ينظر إليها من الأسفل كمن ارتكبت جريمة ومن المجرم؟هو أم هي؟لكنها اعتقدت أن الحل بسيط .قالت بسذاجتها المعهودة ،يجب أن نتزوج .وفي أسرع وقت يا حبيبي.انتفض و صرخ بكل وقاحة في وجهها :"أتحسبينني أخرق،إنك تحلمين ،ألم أقل لك منذ البداية أنه لا رغبة لي في الزواج؟؟" لكنه فوجئ بها وهي تنتفض في وجهه لأول مرة :"ولماذا تتبعني إذا ،لماذا كنت تقول لكل أصدقائك،لكل الموظفين معك ،للبقال ،لصاحب المنزل، للفندقي ،وحتى للطبيب أني زوجتك ؟ ومن تحسبني في نظرك؟رخيصة؟ مومس؟" . وكأنه وجد مدخلا ليتخلص منها إلى الأبد.وهو يتصنع البرود والسخرية في مكر:"ومن تحسبين نفسك ؟ عفيفة؟ مريم العذراء ؟ وما ذا تسمين ما أنت فيه الآن ؟ وما أدراني أن ما في بطنك هو ابني ؟ قد يكون ابن أي شخص يمر من هذا الشارع ،فأول ما التقيتك… " لم يكمل عبارته ،صفعته وهي لا تعرف من أين أتت بكل تلك القوة ،بل أعادت لكمه فسقط على الأرض.وانصرفت باكية .لم تصدق أنها رخيصة في نظره إلى تلك الدرجة .ازداد نحيبها مع كل تلك الذكريات أما مريم فمازالت تصرخ أمام باب غرفتها :" الهاتف يا…،هناك من يطلبك في هاتفي ،إفتحي الباب؟"،أسرعت إلى الباب ،خطفت الهاتف من يدها لكن مريم أطفأت لهفتها بقولها:" إنها أمك تقول أن هاتفك لا يرد ،وبعد تحية وسلام وسؤال وجواب عن الحال والمحال ،كان الجواب الكاذب منها :" كل شئ بخير فقط مريضة بالزكام والهاتف أطفأته لأني كنت في الحمام" . أما الموضوع الهام في نظر الأم كما العادة :"يا ابنتي إن عمتك وزوجها سيأتون غدا لخطبتك،لا تقولي لي مرة أخرى أنك لست مستعدة بعد،وأنك ما زلت صغيرة ،لقد اشتغلت والحمد لله " إنها المرة الأولى والأخيرة التي لم ترفض فيها طلب أمها ،زغردت الأم طويلا، ومازالت تزغرد بينما جمع من الناس يحيطون بفتاة ألقت بنفسها من النافدة، وهم يتساءلون:"كيف وقع ذلك؟"." أنا أول من رآها تقفز"."لا حول ولا قوة إلا بالله"." إنا لله وإنا إليه راجعون "