بسم الله الرحمن الرحيم
كَتَبْتُ وَقَدْ أَيْقَنْتُ يَوْمَ كِتَابَتِي ... بِأَنَّ يَدِي تَفْنَى وَيَبْقَى كِتَابُهَا
فَإِنْ فَعَلَتْ خَيْرًا سَتُجْزَى بِمِثْلِهِ ... وَإِنْ فَعَلَتْ شَرًّا عَلَيْهَا حِسَابُهَا
... كلما همّت يدي بكتابة شيء.. تُنَفّس به عن نفسي.. يعترضُ طريقَها ثلاثة جنود ... لكل جندي حجة قوية تمنع يدي من الإقدام على لوحة المفاتيح.. أو الورقة والقلم..
يستوقفها الجندي الأول قائلا : توقفي.. أنا جندي من الكتاب الحكيم، كُلِّفت بأن أقول لك : "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) " سورة "ق"
ثم يستوقفها الجندي الثاني قائلا : تمهلي.. أنا جندي من الحكمة الشريفة، كُلِّفت بأن أقول لك : "... وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟"
ويأتيها أخيرا جندي ثالث قائلا : إنتبهي... أنا جندي من لسان الضاد، كُلِّفت بأن أقول لك :
وَمَا مِنْ كَاِتبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى ... وَيُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلاَ تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ ... يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أنْ تَرَاهُ
لعل أكثرَ الناطقين بأيديهِم ، إنما قصدُهم الترويحُ عن أنفسهم، وإدخالُ الأمل عليها، تماما كما نفتح نوافذ الغرف المغلقة كل يوم كي يدخلها هواءٌ جديد، نقي، ينسيها ما كانت تقاسيه من الهواء القديم الملوث
غير أن الإنسان أثناء الكتابة.. قد تنزلق يدُه بكلام، يراه هينا لكنه عند الله عظيم
كمن يشكو دهره.. ويلعن زمانه.. ويبكي أيامه
لا لشيء إلا لأن زيدا وعمرا أوتيا حظا مما حُرِم منه صاحِبُنا
ولو أن صاحبَنا وأترابَه فَقِهوا قوله تعالى : "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
سورة "الزخرف"
لأراحوا أنفسهم من العناء
وأراحوا أيديهم من الكتابة
أعزائي القراء: إني لئن سمحت لقلبي أن ينزف شيئا من دمائه
فيخطَّ بيدي كلمات ملؤها الحزن والأسى
لسان حالها يردد مع الشاعر:
لَسْتُ أرْضَى لأمَّةٍ أنْبَتَتْنِي ... خُلُقًا شائنا وقَدْرا ضئيلا
لست أرضى تحاسدا أو شقاقا ... لست أرضى تقاعسا أو خمولا
أنا أبغي لها الكرامة والمجد ... وسيفا على العِدَا مسلولا
فليس لأجل أن يطلِق علي الناس لقب "الأديبة"
ولكنه هدف واحد أشهِد الله عليه
وأشهِد حَمَلة عرشه وملائكتَه وجميعَ خلقه
أن كتاباتي كلَّها هي رسالة جلية الظاهر خفية الباطن
قد يفهمها القارئ وقد لا يفهمها
على أني أحاول جهد طاقتي أن يكون كلامي صريحا
حتى لو ورد بأخطاء بلاغية أو نحوية او "أدبية"
كل ما أتمناه قبل أن أنشر كلامي
هو أن يستفيد قارئُه من معانيه قبل أن تعجبه أساليبه
فهذه وصيتي إلى كل كاتب وكل أديب
قبل أن تكتبوا حرفا واحدا مما يختلج في صدوركم
فليطرح كل مبدع منكم على نفسه هذه الأسئلة:
هل ما سأكتبه سينفعني في قبري؟
هل سيستفيد قارئ كلامي مما سأدونه؟
فإن كان موضوعي نافعا، فبأيهما تفرح نفسي:
بكثرة الردود أم بكثرة المشاهدات؟؟
أسأل الله العظيم أن تكون رسالتي قد وصلتكم بأمان واستقرت في قلوبكم
وهيأتم لها من أفئدتكم قرارا مكينا
ولئن تذكرتم أختكم بشيء
فتذكروها بهذه الوصية:
وَمَا مِنْ كَاِتبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى ... وَيُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلاَ تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ ... يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أنْ تَرَاهُ
وفقنا الله وإياكم لكل خير.
تسنيم أم يوسف