خاطب صديقة مغتاظا:
كل من اكتوى بلهيب الكتابة، عليه أن يعصر أثداء عقله،يجمع حليبه، يمخضه، ويقدم للقراء زبذته، ماعدا الشعراء، تأتيهم الجن بقصائد مترعة بالحسن و الجمال.
أغبطهم.
ما أسعدهم بعبقرهم !
ليتنا كنا بحظهم، و صار لنا عبقرنا الخاص...عبقر السرد.
حدجه صديقه باستغراب. لم يسعفه تفكيره في الرد المناسب، فاكتفى بابتسامة ماكرة.
انقطع حبل الكلام بينه و بين زميله الجالس قبالته. تاه عقله. رأى نفسه يتجول في جزيرة لا مثيل لها على وجه الأرض.وقف أمام سبورة كبيرة كتب عليها:
سرديا
فردوس السرد
وقف يرزح تحت دهشة الاكتشاف العظيم. تجول في ربوعها الخصيبة.نخيل غريب تتدلى منه عرانيس مفعمة ببلح المجاز البكر...أشجار مترعة بفواكه الاستعارة البتول...كرم مثقل بعناقيد التشبيه، و الجناس العذراء.
استبد به الذهول.قرر أن يبقيها سرا، حكرا على قلمه.سيحير العالم بأفكاره المبتكرة ابتكارا كاملا. سيحول ما اكتشفه إلى ظباء ساحرة تتراقص في دمن إبداعاته لتكون المثل الأسمى لفتوحات سردية غير مسبوقة.
احتارت عيناه....قطف فاكهة استعارة جديدة لم يسبق أن خطها قلم،أو سمعتها أذن.حاول أن يسلكها بخيوط الحبر. ذابت بين أنامله ...تلاشت في عقله.اندهش. جنى فاكهة مجاز...تشبيه...جناس كلها تتبخر و تختفي حيث لا يدري. تعززت دهسته. تساءل عن السر الكامن في هذه الفواكه المشتهاة :
- كيف السبيل للإمساك بها؟
اعتقد أن هذه الثمار الفريدة مختومة بتعويذة سحرية عليه أن يعثر عليها، و يرددها في نفسه لتصير صالحة للاستغلال...
أحس بيد ترجه بقوة. عاد من رحلته الذهنية. خاطبه صديقه:
- هنا في الذهن يكمن كل شيء. لا تبحث عن الأفكار العظيمة في أي مكان...خاصة في الأماكن الوهمية. ابق مكانك، كل الفواكه الرائعة التي شاهدتها ستأتي إليك.فقط كن قاردا على اقتناصها حين تمرق أمامك.