|
وطني أحبك شاديا ومغردا |
وطني عشقتك صامتا ومقيدا |
ذهب ثراك لآلئ ومفاخر |
ومآثر تسمو على طول المدى |
غادرت منك الحضن طيراً حالما |
علَّ الزمان يعيد ما قد أفسدا |
ونثرت آمالي على أفق المنى |
لكنما الحلم الأسي تبددا |
أنفقت ريعان الشباب بغربةٍ |
حمقاء ما فتئت تقض المرقدا |
عانيت ما عانيت من عسف النوى |
حتّى أتيتك بعد لأي مبعدا |
في ليلة ليلاء يذهل وصفها |
ضاعت نداءاتي إذ انحسر الصدى |
أختٌ تودعني على حسراتها |
من فرط لوعتها كرهت المشهدا |
أودعت بعد الضرب في زنزانةٍ |
أمست بها الآمال ليلاً سرمدا |
زنزانة بصقت على سجّانها |
يكفيك فيها أن تكون المفردا |
سرقوا بقايا الضوء من جدرانها |
عصف المصير وما سئمت تجلدا |
أبصرت من شقٍ يلوح ببابها |
قدراً يساورني وعبداً أسودا |
إن أنت تعطسْ أو تهمََ بهمسةٍ |
ُثنّى عليك تهكماً وتوعدا |
ومحاضر يكفيك شر حديثها |
يسطو بك الجلّاد حتى تفقدا |
أفضوا إلى الجلاد أفصح قوله |
فلعلّ بارقةً تلوح بما بدا |
درج المسائل مسرفاً في ودّه |
عذب المعاني مشفقاً متوددا |
ألقى حبال الجرّ يجذب حسرة |
وكأنّما أسدى حديثاً مسندا |
جنّ الشقي وغادرت أحلامه |
لمّا رآني صامداً متصلدا |
أرغى وأزبد يستعيد غلاظةً |
أشقى لساناً قد تحول مبردا |
ثار الزناة على لفيف دفاتري |
سفر من الآهات بات مهددا |
لعنوا أبا الشعراء سابع جدّهم |
حقداً يمارسه البغاة تعمّدا |
زحفت بحور الشعر تنشد ثأرها |
قد آن للزفرات أن تتوقدا |
وقوافل الشعراء جرّت جيشها |
وسط الزحام مقلدا ومجددا |
أكبرتُ ناصية القصيد وهاجني |
حبُّ الديار مؤملاً ومنددا |
وسخرتُ من شعب يلوك مصيره |
عبد على مضضٍ ليصبح سيدا |
يا للقصيدة حين يصبح وهجها |
سوطاً على جسد الطغاة معربدا |
إهدل ملاك الشعر تخرج من دمي |
طهراً نقياً للصلاة تعبدا |
واسمع قصيداً لا يروق لظالم |
ملأ الديار سفاهةً و تشردا |
يا عابد الدولار في زمن الخنا |
كم كنت للدولار كبشا للفدا؟ |
كم كنت تركع في الصباح وفي المسا؟ |
ليست لوجه الله لكن للعدا |
أمسكت من طرف العروبة عروةً |
لتلوذ فيها حاسراً متلبدا |
ياللعروبة حين يُنسف ثوبها |
خلفاً ليسترها العبيد تبلدا |
إني ذكرتك يا دمشق وهاجسي |
كان اللقاء وكنت أول من بدا |
وذكرت دير الزور في أحضانها |
كان الشباب مطرزاً وموردا |
ولقد ذكرتك يا فرات مواسيا |
في حرة الزفرات كنت الموردا |
وهوى المعلّق في البعاد يشدّني |
لعذوبة النسمات يلفحها النّدى |
وذكرت أما في العناء سخية |
من جوف محنتها تمد لي اليدا |
ورأيت أطفالي كأسراب القطا |
يستقدمون الفجر مثنى مفردا |
وطني أتيتك والهموم تلفني |
فأعدتني طير الضفاف مغردا |
وطني وأي الشعر فيك أقوله |
حسبي أراك مكرما وممجدا |
مارف طير في البعاد وما همت |
عين مسهدة تجوس ترصدا |
إلا رأيتك حاضرا في محنتي |
تثري قصيدي بالبيان وبالهدى |
غزل المشيب خيوطه في مفرقي |
فوهبتني عبق الشباب مجددا |
وطن يعذبني العبيد بحبه |
خسئ العبيد ولا يزال مخلدا |