--------------------------------------------------------------------------------
يا غافلاً عن الكنز
عددتُ نعم ربيِّ عليَّ فما أحصيتها، أعياني كثرة عدها ، فلم أحصٍ إلا القليل القليل منها . يا أيها الإنسان احمد الله على نعمه التي أنعم بها عليك ولا تكن كنوداً ، كن وفياً في الشكر لله سبحانه وتعالى فإن الله يحب الموفين بالعهود ، قـيِّم حواسك أمام كنوز الحياة ، هل تبيع أياً منها بـ 5 كغم من الذهب ؟! إنك على الأرجح لن تقبل بذلك، فحاول إذا أن تحسب كل أعضائك وأنسجتك وأجهزة جسمك، بكم تبيع كل عضو منها حتى الصغير جداً ؟!! وعند إنتهائك من تقييم جميع أنسجة جسمك وأعضائه التي لا تعد ولا تحصى ، احسب كم أصبح عندك من الذهب ؟! إنني واثق من أن كل شخص منّا لو قيم نفسه على أساس صحيح سيجد نفسه يملك من الكنوز والأموال أكثر من تلك التي تملأ الدنيا بأجمعها من كنوز وأموال، فلماذا جحود أغلبنا إذن؟!! لماذا لا نتوجه بالشكر والحمد لمن أسبغَ علينا تلك النعم ؟! قال تعالى:- ((إن الإنسان لربه لكنود)). لا تقل إن الشاكرين لله سبحانه وتعالى قليل والدليل قوله عز وجل :- (( وقليلٌ من عبادي الشكور ))، نعم وإن كان القليل من عباد الله سبحانه وتعالى يتوجهون إليه بالشكر فباستطاعتك أن تكون من هؤلاء القلائل ، وهذا حتما خير من أن تكون من الأغلبية الساحقة غير الشاكرة له .
يا من لهيتَ بالدنيا وغرورها ألا نظرت إلى ما لهيتَ بهِ إن كانَ تجارة أو سفرا أو غيرها... أليسَ الله جلَّ علاه هو من وهبك هذه النعم، ألا استدركت نفسك لعشرة ثوان تقول فيها : ( الحمد الله والشكر على ما أنعم بهِ علي) ؟! هل هذا يأخذ كثيرا من وقتك الذي تضيعه شمالاً وجنوباً ؟! حاول أن تحمد الله سبحانه وتعالى عندما تبدأ بالتفكير بأمور الدنيا ويشردُ فكرك .
وأسأل هنا كل من يقرأ هذه الخاطرة ، ماذا ستقول لو أعطاكَ رئيس دولة أو أمير أو أحد الأغنياء كمية ً من المال ولنقل أنها تساوي 3 كغم من الذهب فماذا سيكون ردك على من أعطاكَ هذه الأموال ؟ بالتأكيد ستشكره وتبقى تشكره وتذكره بكل خير أين ما جلست وحللت . فأقول : ألا يستحقُ من يهبك كل يوم أضعافا مضاعفة عمّا سبق ذكره الحمد والشكر بعد كل صلاة وفي كل وقت ؟!!
هل تعلم أن كل من ذهبَ وصلى صلاة الفرض في المسجد بَـنيَ لهُ الله تعالى بيتاً في الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة والماسك بينهما المسك ، احسب كم يكلف بناء غرفة صغيرة يتم بناؤها من الذهب والفضة ؟!! لا تتخيله !!
إنه كثير !! أليسَ كذلك، فلماذا إذن لا تشكر من يبني لك بيتاً كل ما ذهبت لصلاة الفرض في المسجد ؟؟!!
وأي بيت.. ؟! ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر. إن المنقطع عن شكر الله منقطع عن خير كثير لو توقف قليلاً واستشعره لأصبحَ همه الشاغل حمدَّ الله وشكره.
استيقض لصلاة الفجر وبعدَ انتهائك منها ردِّدْ أذكارَ الصباح التي من ضمنها حمد الله وشكره ، استشعر نعم الله جلَّ علاه عليك يا من تملكُ يدين ورجلين وغيرك منها محروم ، استشعر كنز العين التي تبصر بها خلق الله سبحانه وتعالى من طبيعة وافرة الجمال والخيال ومن خضرةٍ لأعشاب تزهو ولجمال طيورٍ تغرد تسبيحاً لله جلَّ علاه ، استشعر نعمة السمع التي تسمع بها صوت مياه البحر وصوتَ القرآن ، وتسمع بها مناداة طفلك لك : بابا ، ماما ، كم أسعدك هذا النداء ! استشعر نعمة الطفل الذي وهبكَ الله إياه ، استشعر نعمة العقل التي ميزكَ الله بها عن الهوام .
أيا صاحب العقل أترضى بمن ليس لديه عقل يسبح لله سبحانه وتعالى ويحمده وأنت يا صاحب التفكير والتدبير أخذتك الحياة بمغرياتها الفانية ؟؟!! عُد إلى نفسك ، استشعر ما أنتَ فيه من نعم ، لا تقل ليسَ لدي المال والزوجة والجاه والبيت ، فإن لديكَ نعمه لو أحسستَ بها واستخدمتها لأغنتكَ عن كل شيء ، ألا وهي إنكَ تستطيع التسبيح لله والتوجه إليه بالدعاء والرجاء وطلب العون فهو وحده سبحانه وتعالى القادر على أن يمنحك مرادك وإن لم يـُرد كافة البشر منحك إياه ، وهو وحده سبحانه وتعالى القادر على كف الأذى عنك ولو أرادَ كافة البشر أذيتك .
إن حمدَ الله عز وجل على نعمه يزيد من النعم التي يهبنا إياها ربُ العزة ، ألا تعلم إنكَ كلما شكرت الله سبحانه وتعالى زادكَ من نعمه والدليل قوله سبحانه وتعالى : " لئن شكرتم لأزيدنكم " .
كما أنه يزيد القلب انشراحا ويزيد الروح صفاءً ويزيد العقل رجاحة ً . وإن حمدَ الله يطمئن القلب إذ قالَ تعالى : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب". فاحمد الله على ما وهبكَ من نعم فأنتَ لن تحصي ما وهبك إياه، قالَ تعالى : " وإن تعدوا نعمةَ الله لا تحصوها ".
اشكروا الله يا عباد الله إن الله يريد من عباده أن يكونوا شاكرين لهُ دائمي التفكير بما أسبغَ عليهم من نعم من يوم ولدتهم أمهاتهم إلى أن يدفنوا في القبور ، قالَ تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ، لا تعلمون شيئاً وجعلَ لكم السمعَ والأبصارَ والأفئدة لعلكم تشكرون". وحتى أنتَ يا من عبدتَ الله كثيراً وشكرته بكرةً وأصيلا لا تقل إني قد وفيت بحمد الله على ما أعطاني من نعم ، فأنت مهما شكرت نعم الله فحمدك قليل وضئيل أمامَ ما أنعم بهِ هو عليك ، قال الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إن الرجل يجيء يوم القيامة بعملٍ صالحٍ لو وضعَ على جبل لأثقله ، فتقوم النعمة من نعم الله ، فتكاد تستنفد ذلك كله ، لولا ما يتفضل الله من رحمته " صدقَ رسول الله.
وبعد كل ما سبقَ ذكره وما أكدتهُ الدلائل لم يبق إلا أن تستفيق من الاستغراق في الغفلة وتتوجه إلى رب السموات والأرض بالحمد والشكر قائلا : " اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك الكريم وعظيم سلطانك."
بقلمي
معاذ الرفاعي