(( هَلْ تَدْرِين ؟ ))
بقلم / ربيع السّملالي
( الأدبُ هو أن تُجَمّلَ الحياةَ في أقبح صورها )
أجلِسُ الآنَ وَسَطَ صَحْراء عُزلتي ، وبَيْدَاء وحدَتي ، وكومةٌ من الكتبِ والمجلاّتِ المبعثَرة هنا وهناك تنظرُ إليّ شَزْراً بسبب تَرْكِي المفاجئ لها هذه الأيّام …وصحفٌ مُلقاةٌ بإهمال من ذوات العناوين السّوداء البارزة ، على صفحاتها الأولى نساءٌ كاسيات عاريات مثقلات بمساحيق رخيصة دسمة يَبْتَسِمْنَ بِخُبْثٍ.. شمسٌ ربيعيةٌ دافئةٌ تتلصّصُ عليّ من خلالِ نوافذِ غرفتي الْمُشْرَعة ، بُنيّتي هند تعبثُ بهدوئي وراحتي ولا تُبالي ..عقاربُ ساعتي الحائطية تدور ببطء وبرتابة قاتلة ، وكأنّها ملّت مرورَ الأيّام وكرُورَ اللّيالي .... قلبي يدُقُّ بِصَمْتٍ كَصَمتِ أصحابِ الْقُبُورِ..وهشام الجخّ يردّد ويصرخُ : (أنتِ مُشْ حبيبتي من النّهار ذا ، حبيبتي ماتت ... ) والدتي تنادي من غرفة مجاورة وقد ضاقت بصوته ذَرْعاً : هلاّ خفضت من صوته يا ربيع ؟! رواية أنثى السّراب تنامُ منذ يومين على مكتبي بالقرب من الجهاز ، أوراق بيضاء تستحم تحت حبر أزرق داكن .. عبثاً أحاولُ مُلاَحَقَةَ أفْكَاري الهَاربة ، وتنظِيمَ خَواطِرِي الْمُبهَمة .. أحاسيس ومشَاعر تجوبُ شوارعَ أعماقي ، ودروبَ وجدانِي كالتّالي :
هل تدْرِين غاليتي أنّكِ الشُّعلةُ التي تنيرُ طريقي في كُهوفِ أيّامي المُظلمة ؟
هل تَدرين أنّكِ العَمُودُ الفِقَرِي الذي يقِفُ خَلْفي عندما أواجِهُ المصاعبَ والمتاعبَ ؟
هل تَدرين أنّكِ المنديلُ النّاعمُ الذي يمسحُ دُمُوعي ؟
هل تَدرين أنّكِ عصاي التي أتوكّأ عليها وأهشُّ بها على أزمَاتِي؟
هل تَدرين أنّكِ كتابي المفضّلُ الذي أستفيدُ منه على الدّوام ؟
هل تَدرين أنّكِ الزّهرةُ الوحيدةُ التي تتفتّح في أيّامِ خريفي ؟
هل تَدرين أنّكِ الهواءُ النقيُّ الذي أستنشِقُهُ كُلّ صباحٍ ومساء ؟
هل تَدرين أنّكِ مِعْطَفي الثّخين الذي يدفعُ عنّي بردَ الشّتاء القَارِص ؟
هل تَدرين أنّكِ مِظَلّتِي الّتي تتصدّى للأمطار الغزيرة من أجْلِي ؟
هل تَدرين أنّكِ مدرستي الّتي علّمتني أبجديات الحياة ؟
هل تَدرين أنّكِ رأسُ مالِي الّذي بدونه لا يُمْكِنُنِي أن أعيش ؟
وهلْ تَدرين أنّكِ الأملُ الذي لولاهُ لغرِقتُ في شَواطِئ إحباطِي ؟
وَهلْ تَدرين / وَهلْ تَدْرِين / وَهلْ تَدْرِين /
فكانَ مَا كانَ ممّا لستُ أذْكُرُهُ ...فَظُنّ خيْراً ولا تَسْأل عن الْخَبَرِ
انتهيتُ من تسويدها في 13 / 03 / 2012