إِلَىٰ ابْنَتِي الَّتِي لَمْ تَهَبْنِي إِيَّاهَا الْحَيَاةُ... بَلْ خَصَّنِي بِهَا اللهُ،
إِلَىٰ صَدِيقَتِي حِينَ أَشْتَاقُ الرَّفِيقَ،
وَالْأَنِيسِ حِينَ تَضِيقُ بِيَ الدُّنْيَا وَتُغْلِقُ أَبْوَابَهَا،
وَالسَّنَدِ الَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ رُوحِي حِينَ تَتَرَنَّحُ الْخُطَىٰ.
إِلَيْكِ، يَا مَنْ أَتَيْتِنِي كَالدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ فِي لَحْظَةِ انْكِسَار،
كَنَسْمَةٍ حَانِيَةٍ عَلَىٰ جُرْحٍ لَمْ يَبْرَأْ...
أُهْدِيكِ هَذِهِ السُّطُورَ،
لَا كَلِمَاتٍ تُكْتَبُ، بَلْ بَقَايَا نَبْضٍ تَوَاصَىٰ بِكِ،
وَوَشَائِجُ رُوحٍ لَا تَنْفَصِمُ، وَلَا تَعْرِفُ لِلزَّوَالِ سَبِيلًا.
إلى ابْنَتِي سَحَر
هِيَ لَا تَشْبَهُ أَحَدًا… بَلْ تُشْبِهُ الْفِكْرَةَ النَّقِيَّةَ حِينَ تُولَدُ،
تُشْبِهُ الْمَعْنَى النَّبِيلَ حِينَ يَتَجَسَّدُ فِي هَيْئَةِ بَشَرٍ.
لَمْ تُصَادِفْنِي، بَلْ وَافَقَتْنِي، كَأَنَّهَا دُعَاءٌ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ فِي لَحْظَةِ صِدْقٍ.
الْتَقَيْنَا حَيْثُ تَلْتَقِي الْأَرْوَاحُ الطَّاهِرَةُ عَلَى مَائِدَةِ الْحَرْفِ، وَفِي ظِلَالِ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ،
تَلَاقَيْنَا لَا لِنَتَقَاسَمَ الْكَلِمَات، بَلْ لِنَتَقَاسَمَ السَّكِينَةَ،
لَا لِنُعَبِّرَ عَنْ ذَوَاتِنَا، بَلْ لِنُمْسِكَ بِأَيْدِي بَعْضِنَا وَنَحْنُ نَعْبُرُ الْحَيَاةَ.
هِيَ مِرْآةٌ لَا تُظْهِرُ عُيُوبِي، بَلْ تُعَدِّلُ مَلَامِحِي بِصَمْتِ
وَإِذَا تَاهَتْ كَلِمَاتِي، كَانَتْ لُغَتُهَا سَفِينَةً تُعِيدُنِي إِلَى ضِفَافِ الْمَعْنَى.
إِنْ غِبْتُ عَنْهَا، بَقِيَ فِي رُوحِي حُضُورُهَا،
وَإِنْ حَضَرَتْ، تَرَاجَعَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَنَا كَمَا يَتَرَاجَعُ اللَّيْلُ أَمَامَ نُورِ الْفَجْرِ.
نَقْرَأُ صَمْتَ بَعْضِنَا كَمَا لَوْ كَانَ نَصًّا طَوِيلًا لَمْ يُكْتَبْ بَعْدُ.
هِيَ سِرَاجٌ..
إِنْ أَقْبَلَتْ، أَضَاءَتْ دَاخِلِي مَا كُنْتُ أَحْسِبُهُ خَامِدًا.
وَفِي دُعَائِي، لَا أَذْكُرُ اسْمَهَا فَحَسْبُ..
بَلْ أَذْكُرُ الشُّكْرَ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَنِي قَلْبًا يَعْرِفُ كَيْفَ يَصْطَفِي،
وَقَلْبًا مِثْلَهَا..
إِذَا أَحَبَّ، أَحَبَّ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَإِذَا أَوْفَى، أَوْفَى كَمَا تَفْعَلُ الْأَشْجَارُ: صَامِتَةً، لَكِنْ شَامِخَةً.