رحيل قلب .. وذكرى محب
بقلمي
" على شاطئ الحنين ... كم لاطفتنا الذكرى ، نسافر وأمواج التاريخ المتلاطمة ، والشمس كعادتها تداعب أطياف آمالنا كل حين ، ترسل أشعتها تنادي هيا ..... "
قاطعتها الصديقة : " هيا حدثيني ، أخبريني ، يستعجلني الشوق ، أسمعكِ بشغف "
همت تقول :
" نادته نسماتُ السَّحر المعطرة بالشذى النَّديّ وبصوتٍ خافتٍ وتهافت ٍ لا يكادُ يُسمع .
من نافذةِ غرفتهِ البالية حلق ببصره متأملاً عَنان السماء ..
( يا الله .. ) وبدون استئذان تساقطت من مقلتيه دمعات .
وبنبرةٍ خفيةٍ ودمعٍ شوَّاق يهمس : " كم أنا أشتاق ، آهٍ .. من لوعة الفراق وجوى الاشتياق " .
تفتحت الظلمةُ وبدت نسائمُ الفجرِ تزفُ قطراتِ الندى وقد اعتراها الحياء ، فما كان منها إلا أن سجدت على وجهِ الأرض ، تتلو تسابيحَ الفجر .
طلَّ نورٌ من بعيد ، وأتى صوتٌ ليس غريب ، يطرقُ مخيلته ، يهمسُ في أذنه :
" اقترب ، هيا اقترب ، اقترب " .
ارتجف جسده ، دموعٌ ورعشة ، ثمَّ رفع يديه قليلاً وهمَّ بمسحِ دمعاته بخفةٍ ورفق .
يتهافت مع نفسه : ( طال الانتظار ومازلتُ أنتظر ، تمادى الفراق حتى به اكتوت أضلعي ، اشتكت منه أنفاسي وتلونت به مشاعري ، آمالٌ وآلام وأطياف أحلام ، مشتاق ... ) .
يتراءى له طيف أخيه يداعب خياله ، يدغدغ أفكاره ، وذكراه التي لا تزال ملتصقة بذاكرته ..
... هذه المرة نظر إليه بنظرةٍ مختلفة .. حين قام وترجل أمام المرآة وأخذ يطيب ملابسه ، يريد أن يقنعها بأنه أنيق ، حيث أجبر شعره على الجلوس واعتدل ، نفخ صدره وابتسم ، ذهب فقبَّل تاجَ رأسِه ثمَّ توجه صوب البابِ وفتحه .
قال له ملاطفًا إياه : " يا عبد لا ... "
وسرعان ما اعتذر صوت أمه عن المقاطعة يقول : " أنتظرك وأذان المغرب نفطر سويا ، ولا تنسى ... غدًا موعد سفري " .
رفع حاجبيه قليلاً وقال : ( سأسافر قبلكِ أماه ) ... ثمَّ أهداها تلك الابتسامة التي اعتادت عليها وقد ارتسمت على شفتيه .
" إلى اللقاء " .. قالها ثمَّ همَّ بالخروج .
يصمت لحظة ، ويغيب أخرى ، تحنُ الذكرى فتآنسه الدمعة ...
ولا تزالت سلسلةٌ من الأحداث تطوف في خياله ضمن شريط الذكرى المتواصل ...
جرس الهاتف ينادي من جديد يقاطع صمت الجميع ، والخبر اليقين ، عن البال بعيد ، يترك للأم رسالة تقول :
" اعذريني أماه لن نفطر سويا هذه المرة " . و لعلَّ موعده في مكان آخر ، وأحبةٍ ينتظرون .
كم تحن الذكرى ، وكم يتشوق إلى اللقاء ، وتسيل دمعات الحنين والشوق يزداد ....
توقفت اللحظات ، واختفت الذكريات ....
وصوت ... اللـــه أكبـــر ، ماج في المكان ...
أيقظة صوت الأذان ... ، وأعاده لنسمات الفجر من جديد .
وسريعًا ودعه صوت أخيه حين كان يقول : " يا أخي الفجر و القيام " .
فما كان منه إلا أن مدَّ يديه ورفع بصره إلى السماء ودعا الدعاء ، فتوضأ ، ثمَّ صلى الفجر حاضـــر ا ... " .
- : " هذا آخر حديث دار بيني وبينه " ... وتساقط الدمع على الوجنتين ..
بيديها مسحت الصديقة الدمعات ..
-- : " هوني عليكِ أختاه ، فما عاد شيءٌ في الحياة يقدر بثمن ، وها هي الشمس تأذن بالغروب " .