بسم الله الرحمن الرحيم
أبدا ما تنفك سلسة التاريخ تسير بتتابع وانتظام لتؤكد قاعدة ثابتة مفادها: أن أي تمخض من رحم الإحداث لابد أن يسبقه وقائع تنتج المستقبل. وهذا هو التفسير الإسلامي للتاريخ. وهو تفسير الفطرة الذي لا يعتد بجدلية عمياء، فكل شيء بميزان. وعليه فان الشر ويؤكد نهايته المنقطعة بالوقائع وبالأفعال. (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )). وكذلك يفعل الخير فهو يؤكد ديمومته ويرسم رسوخه في صفحة المستقبل بعطائه ومطابقته لقانون الفطرة.
فتكون التضحيات نقيضة للاستعلاء والعدوان بالفعل وبالكينونة؛ حتى تتحقق النبوءات التي رسمت معالم الشر وهو ينقطع ويتلاش في أديم الزمن؛ ليكون عبرة وشاهدا على نفسه وعلى أتباعه. كما كان أشعياء شاهدا على إجرامهم منذ فجر التاريخ. ولسنا محتاجين إلى تدعيم حتمية مصير الطغيان بشواهد من الخارج؛ فقول رب العزة هو اليقن وهو الحق، ولكن نقذف في وجوه صناع الظلام وأتباعهم ما قاله فيهم اشعياء النبي بحسب نصوصهم التي بها يتعبدون. فكانت صرخته الكبرى قبالة ما مُردوا عليه من غل وعنجهية، فهي صرخة إدانة وتحقير؛ أكدت أن خيوطهم لن تصير ثوبا ولن يكتسون باعمالهم:
" إن يدَ الربِ لا تقصرُ عن الخلاص، وأذُنَه لا تثقلُ عن السماع لكن آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم حجبت وجهَهُ عنكم فلا يسمع. إذ قد تلطخت أكفكم بالدم وشفاهكم نطقتْ بالزور … وألسنتكم هذَّت بالإثم فليس من داع بالعدل ولا محاكم بالحق  ينقفون بيض الأرقم ..... خيوطهـم لا تصير ثوبا ولا يكتسـون بأعمالهم. أعمالهم أعمال إثم وفعل الظلم في أيديهم أرجُلهم إلى الشر تسعى وتسارع إلى سفك الدم الزكي. أفكارهم أفكار باطل، وفي مسالكهم حطم ودمار. طريق السلام لم يعرفوها ولا إنصاف في مناهجهم. قد جعلوا لهم سبلا معوجة كل من سلك فيها لا يعرف سلاما "
ويبدو أن قلة من الشرفاء في العالم من راحت تنتفض أرواحهم وكبرياؤهم وإيمانهم لتكرس جهودها في سبيل هذه الغاية المشرفة. هذه القلة راح يناهضها زخمُ الباطل، غير أن قافلة الخير ستظل غادية رائحة تحمل مشعل النـور، معرضـة عن الزبد الذي سرعان ما سيجرفه التيارُ ولابد. (( فأما الزبدُ فيذهب جفاءا، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )).
وليس في الأرض نسب أعرق من نسب الشرفاء المؤمنين، فهم ينتمون إلى منهج واحد، وينطلقـون مـن قاعدة ثابتـة، ذلك هو منهج الفطـرة وتلك هـي قاعـدة الخير منـذ آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
اما شهداؤنا الأبرار فقد ساهموا بارواحهم؛ ليعجلوا في رسم معالم ذالك المستقبل، وليخطوا بدمائهم أنشودة الحق ويدقوا في نعش الباطل مسمارا من دم سيخضر بالأمل وبالحق. فلا يبتئس احد من الإخوة فهذه عجلة التاريخ بدأت تتحرك قـُبلا؛ وهي لا تحسب بعمر الافراد إلا ان الامر يحتاج الى صبر ويقين.
والعاقبة للمتقين
ولله الأمر من قبلُ ومن بعد