سبايا الرُّكام /سجاد الصالحي
:





سبايا الرُّكام /سجاد الصالحي

***** السّكون دبّ في مفاصل حياة المدينة كامرأة شمطاء. على جدران البيوت، خُطّتْ عباراتٌ مُخربشة، مُلكٌ للوحشِ الكاسر. يقتادون سرب الحمائم من أعشاشها الدّافئة، بسلاسلَ، إلى مخادعَ تحت الأرض، يلتهمونهنّ بمكر، يقرعون الكؤوس بعد الخُطب. سئم، جزّ أسنانهُ: (أين تلك المرأة التي كبُرت في ليلة وضحاها بعقود من زمن؟)، توعّد بالانتقام. نثر الغسق لونه النّاري على صفحة السّماء، همّت الشّمس بالهروب خلف الجبال والأشجار.

***** تلفّح برداء أسود، ركز قنّاصه في مهجع قريب، سدّد فوّهته على جسد المدينة المرهقة من أدران المرض، نظر لهم، بعين ناصعة البياض، وقلب يتقاطر ألمًا، يعربدون مخمورين بانتصار زائف. ما أن أفل الغسق، وتحت سجى الليل، أحصاهم فُرادى، وهم يتنادمون حول موقد النار، تتقافز منها ألسنة لهب تهمُّ بالتهامهم.

***** ظلُّه الأسود المعكوس على الجدران، سحق ظلالهم، أرعد فرائصهم، استلّ جلستهم برصاص حمئ، واحدًا تلو الآخر، ارتعدت الأبصار، زاغت العيون في محاجرها، تبحث عنهُ في كل مكان، رصاصهم يهرش الجدران، يسقط ظلّه، يقوم من بين الرّكام، تلفُّهم أجنحته السّوداء، الرُّعبُ ينهشُ أجسادهم، حرارةُ رصاصهُ، تلسع أدمغتهم، تتهاوى بُرك الأحلام في أروقة الدّماغ.