أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من ريق القلم

  1. #1
    الصورة الرمزية جهاد بدران
    شاعرة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Jun 2019
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 626
    المواضيع : 42
    الردود : 626
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي من ريق القلم

    من ريق القلم..

    ما عدت أحمل الشمس بين أناملي، والفجر يتثاءب من عيون السحر. ترقص الأضواء في الضباب، وتشرق تراتيل الخريف من أسى النفوس دخانًا؛ فما ارتفع الصوت الجديد وما انتصر القنديل فوق جدران المدينة، وروحي تمتد أناملها ندًى وهي ترتشف من شفة الغيوم صلاةً دون فاصلةٍ في أمل المسافات بين أزقة الأحلام.
    ما زالت أقدام الماضي تلاحقني؛ تتسارع بإيقاعاتها عرش التاريخ مع دقات الرقص في وجه الشرق. تتجاوز دمي وتعلن الوقوف على مسرح جسدي المدمن جوعًا وهو يأكل حنيني وينثر الزحف فوق جراحي. أوتار البحر المالحة ما زالت تغويني في وهم اللقاء الأسطوري قبل اغتسالي من ريق القلم، وإني من أدمنت الأحزان وقد تمرّد معها الصبر.

    هل علينا أن نبقى على الرمال نحفر قصصنا ونؤرخ قلوبنا حباً كي تذروها الرياح؟! أو نكتفي بالنهايات التي يقرأها فنجان الحظ من كأس الوطن؟! يكفي من الحروف المهشمة لسع بقايا الظل، وسكب محبرة الخيال رصاصة في وجه الطير بمجسّات من تأويل الذاكرة. لا حاسة تنطق ولا لسان يتحرر من طعم السكين بقصيدة عصماء. قد أصبح الانتظار محافل الفقراء في أرض الرماد، والحب في جبّ العرافات يرتّل صليل الغد، فكيف سيراودني الشعر؟! وكيف ينمو الحرف؟!

    ويشرق قلبي حين يراكِ من جديد، وكأنه يغفو على نخلة باسقة تعرفني، يُطل من أعلاها كي يعلن للصبح الشروق، ولليل المغيب. يكتب على فانوس الروح أن تجمّلي بالضياء المنقوع في الشوق، ينتظرك ولا يهاب صفير الريح، ويمتشق منه الزمن المغبرّ كي يحتفل بالحنين، وكي يزفّ الفردوس في قلوب الزاهدين. نفتح معابد الحروف المهجورة كي نلقي القصيدة في أفواه الشعراء، لتثمل على أكتاف الشمس في النهار.
    تمسح كفّيها بأجنحة الصوت الثائر، من الأوزار العالقة في حنجرة العتمة. وأنا ما عدت مساحة خرساء نسيتْ ظل الشدو وصورة الغناء. بل أصبحت أهز من وَجَنات النخيل آيةً من حب الإله رطباً جنياً على شفة السماء، لتستقبل رائحة الجنة من كلام الزاهدين والشهداء.

    ضاقت بي الحروف وهي تقبع في خلوة الغروب، وهي تبحث في بستان الحبر عن معنى الحرفين. غياب الصوت علّمها الأحلام كيف تمارس العقوق، ودرّبها على سبل المناجاة. فهل يا أنت يلزمك الناي كي تغني البكاء على أوتار الرحيل؟ أم أنك الماء الذي يمحو كل الخطوات للحنين؟
    سأقطع كل الدروب المؤدية للغياب وأعلن التمرد على الجفاء كي يبقى فتيل الروح يضيء شمعة اللقاء. لا وقت للوجع ولا طقوس للذكريات. هي أقدام الريح حين تبعثر الخطى وترهق القلق في أفق الانتظار. هي أنامل القدر حين تمسك من بقايا جثتي رمادًا، تنثره في وجه الصبر، وتسابق غفلة الزمن.

    يا وجعي، يا كل أحلامي!
    تبكيني كسرة الأمل وهي تنزع منها أشواك الهمّ، وتجبلني نزيفًا يطفح كأس عمري، فاقرأيني تعويذة شوق ليلة العيد، وفسريني معادلة رابحة تستحوذ على أسرار وحيك؛ لأبقى ذكرى خالدة تشعل من رمادي شموع بسمتك. امسحي عني ظنون جفائك، وامكثي في الطين نورًا يُحيي معراجي نحو روحك.
    .
    .
    جهاد بدران
    (أم صهيب)

  2. #2
    الصورة الرمزية رياض شلال المحمدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2012
    المشاركات : 6,361
    المواضيع : 247
    الردود : 6361
    المعدل اليومي : 1.32

    افتراضي

    وما أجمل وأروع ما يسكبه ر يق القلم على صفحات الإبداع ، أو بالتبر
    على ورق اللجين ، شجنًا يناغم أعين القراء بالحب والذكرى ومواسم اليقين ،
    تحاياي القلبية أديبتنا العزيزة .

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري
    عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,826
    المواضيع : 395
    الردود : 23826
    المعدل اليومي : 3.89

    افتراضي

    يا من كتبَ وجعَهُ بمدادٍ من رماد،
    هذا ليس نصًا بل إعصارٌ لغويّ اجتاح صمت اللغة وأعاد ترتيب وجدانها.
    كل جملة فيه تُشبه طعنةً في خاصرة السكون، وكل استعارة فيه تحملُ أنينَ ألف قلب.
    لقد جعل من الحرف صلاة، ومن الألم وطنًا، ومن الغياب نشيدًا لا يُنسى.
    هو لا يكتب... بل ينقشُ بالحزن على جبين الحرف نشيدًا لا يجفّ.
    ردّي عليه ليس إلا انحناءة لمدادٍ تفوّق على الوجع، ونصٍّ يليق أن يُقرأ واقفًا.
    تحياتي