خمسة كيلو مترات تفصلهم عن المدينة .. مع ألحان طيور الصباح تبدأ الرحلة .
زهور تنساب فى الشوارع والحارات .. تتلاقى فى ذلك الناعس على أحد جانبى النيل .. الحقائب تحمل الأمل وبعض كتب وكثير من الجوع .. الرؤية سنتيمترات ..
الضباب يغتال الطريق .. البرد قارس .. تتكاثف القطرات بشدة على تلك الوجوه البريئة لتختلط بدموع الفقر .. الأجساد ترتعد .. الأقدام إكتست طينا .. ..
تتضاعف وطأة الطريق .. تخف حدتها ببعض معاكسات الفتية .
........................
................
كانت بينهم ، ذاته زى العام الماضى ، غنيا بالوهج البرئ ، تحتضن حقيبتها كأنها تقبض على حلم تخشى إنفلاته بينما فى ذات الوقت تخفى بأنوثة جزءا مقطوعا من الحقيبة وتلتمس بعضا من دفء .
..........................
...................
عند الحد الفاصل بين أطراف القرية وبداية أطراف المدينة يخرج شريان من النيل لتختلط المياه بعرق هؤلاء وأسرهم وأيامهم المنهكة فى الحقول الممتدة بالخلف ، يعلوه جسرا بلا سور ، خصص لقطار أصم لا يأبه بحياة الفقراء ، رغم إحتفائهم به وتعلق عيونهم باتجاه دخان ماكينته وموجات نفيره .
ينال الإرهاق بعضهم فيترك منحنى طويل ويقرر المغامرة ، تبتلع المياه من زل ، تلاحقه صرخات الصباح لتذوب معه فى طين تلك الحقول .
..........................
...................
على مشارف المدينة ، يسود الخجل ، يشكل الفتية ، غيرة ونخوة ، ساترا بشريا على مسافة مناسبة ، تتوارى الفتيات خلفا وخلف بعضهن علهن تتخلصن مما علق بهن من طين .. تمد يدها أسفل المريلة .. ببطء .. تسحب شيئا .. تلقيه بهدوء وتنصرف .. لحظات .. ألتقطه ، أتفحصه سريعا .. ورقة مزدوجة لجريدة .. لفتنى الحيرة .. إستدرت ببصرى خلفها .. حالت تلك المرأة التى إعتادت الجلوس ببعض الحلوى عند الزاوية .. نهرتنى مستنكرة .. ماذا تفعل ! .. لملمت ترددى وأنا أطلب منها تفسيرا .. إحتد نظرها وهى تشير لى بالانصراف .
.........................
..................
إتجهت إلى أحد المحلات .. هاتفت شقيقتى .. سأغيب للمساء .. طالعت الورقة تفصيلا .. قديمه ..مجرد مقالات .. تخلو حتى من صورة مطرب أو خبر عن فنانه ممن تهواهن من فى سنها .. لم أفهم شيئا .
قتلت الوقت جالسا على أمعاء ذلك المحل المتدلاه خارجه أطالع جريدة الحكومة التى تشبه ذلك الجسر الملعون .. كانت فرصة لاستقراء تحركات وانفعالات الشارع وأيضا لاستطلاع العودة .
..............
.......
لاحت الجموع عن بعد .. أبرقت بصرى بحتا بينهم .. وجدها .. إنتظرت .. مروا أمامى .. سرت خلفا بحذر .. يثيرون ضجيجا بتفاؤل رغم الإجهاد .. إحتضنهم ذات الطريق .. إقتربت القرية .. ذابت الجموع تباعا فى شوارعها الضيقه .. ودعت زميلتها .. تتبعتها .. توقفت عند دكان فقير نحت ككهف بزاوية المنزل الطينى .. بابتسامة عذبة تحدثه .. لم أتمكن من التقاط حوارهما .. إقتربت أسترق مدعيا الشراء .. مد يده المعروقة بتجاعيد القهر بجريدة قديمة مورقة منبها بصوت أجش .. الطقس غدا أكثر برودة .. أومأت و ضمتها لصدرها وبذات الابتسامه إنصرفت لتتوارى خلف ذلك الباب الخشبى المتآكل .. كانت جريدة الحكومة لازالت بيدى .. كانت مورقة ..............