حرية


" الشمس هى سِرُّ حياتكِ .. ابلغى ما تستطيعين من ارتفاعٍ نحو الشمسِ ، و بأى طريقةٍ كانت .. و حينها ؛ تصلكِ مباركاتُ جذورنا العميقةِ فى الأرض .. تهنئكِ على حريتك."

هكذا كانت ترددها تارةً ، و تتردد على مسامعها تارةً أخرى .. منذ أن نبتت هذه الثمرة على غصنٍ لا يرى الشمس مباشرةً ، و هذه الكلمات لا تفارق مسامعها .. كل الثمار اليانعة حولها تتحدث عن الشمس، دفئها، وهجها، و خاصةً ذاك السر العجيب الذى يبث الحرية و الأمان!! .. إلى أن أينعت؛ و قد حفظتْ الكلمات عن ظهرِ قلبٍ، لطالما كانت تحاول جاهدةً أن تلتقى الشمسَ دون حجابٍ تصنعه الأوراق الغبية!!.. أَوَ كان عليها أن تنبت على ذلك الغصن اللعين الذى يقيِّد حريتها بعيدًا عن الشمس الجميلة!!.. أَوَ كان عليها حقًا أن تقبع بين ثمارٍ تنازعها المكان تنافسًا للوصول للأعلى ، أو حتى قليلاتٍ منهن يتدلن-عبثًا و ربما يأسًا- للأسفل !!
***
فى إشتياقٍ بالغٍ لإحتضان الأرض ؛ ظلَّت تتدلى للأسفل.. تُثقِل جيدها بما استطاعت من قوةٍ.. تتزايد نبضات قلبها شوقًا.. و فجأة!!.. و من فرط الحماسة تفقد السيطرة.. ينكسر عودها.. تشعر للحظة بانتفاضةٍ تهز خلاياها.. تضطرب، تتزايد نبضات قلبها قلقًا.. تتهاوى للأسفل فى تسارعٍ مع نبضات قلبها، تصطدم بالأرض فى قوةٍ.. يغمر التراب جسدها الصغير.. يتملكها الفزع.. لقد تركت للتوِّ حياتها، أهلها، و رفاقها.. تضطرب أفكارها.. تتلاحق أنفاسها من شدة القلق..
و لكن!..
هناك شىءٌ ما يضغط برفقٍ على عينيها!.. تفتحهما فى صعوبةٍ..
تهدأ أنفاسها فجأة!..
تتوقف خلايا عقلها عن التفكير لوهلةٍ.. إنها تراها حقًا!.. إنها فى كل مكان!.. تغمرها بدفئها و وهجها.. تستشعر الأمان للحظة.. تتنهد عدة مراتٍ فى أريحيةٍ.. تنظر مرةً أخيرةً إلى الثمرات التى رافقتها طوال حياتها و ثمارٍ أخرى.. تبتسمُ فى تلقائيةٍ؛ ما كانت تتصور أن هناك الكثير منهن يتدللن للأسفل!.. تغمض عينيها فى هدوءٍ.. تحتضنها الأرض.. تتسع ابتسامتها تدريجيًا؛ فهى أخيرًا تسمع مباركاتٍ من جذورٍ عميقةٍ فى الأرض؛ تهنئها على حريتها.