اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ د خديجة إيكر مشاهدة المشاركة
لا يخفى على أحد ما تتعرض له اللغة العربية، لغة القرآن الكريم منذالقدم من هجمات و ادعاءات الغرضُ منها الانتقاص من هذه اللغة و اعتبارها لغة لاترتكز في أصلها على أسس صحيحة ، و من ثم فالكتاب الذي أُنزل بها ( أي القرآن الكريم ) هو كذلك - حسب زعمهم - ليس ذا قيمة لغوية .
ومن بين هذه الافتراءات الادعاءُ بأن النحو العربي ما هو إلا صورة منقولة عن منطق أرسطو منذ نشأته الأولى ، و دليل أصحاب هذه الفرية أن النحو العربي يعتمد بالدرجة الأولى على التعليل والتأويل .
ولعلنا لو أمعنا النظر سنجد أن هذه التهمة واهية ولا تقوم على أي مستند علمي و لا واقعة تاريخية ملموسة لأننا لا نتوفر على أي دليل تاريخي يؤكد التقاء الفكر الأرسطي بالفكر العربي في مرحلة تأسيس النحو العربي . و من ثم يبقى هذا الزعم افتراضا غير قائم على أدلة ، بل إن هناك أدلة تدحضه و تقوِّضه من أساسه :
1- هناك كتابات كثيرة تثبت عكس هذا الافتراء ككتاب ( Histoire Générale des langues Sémitiques) الذي يعترف فيه إرنِسْت رينان ((Ernest Renan أن العرب منذ القديم لم يكونوا ليُنكروا أي تأثير أجنبي سواء كان يونانيا أو غيره إذا كان تأثيراً حادثاً فعلاً ، و ككتاب الإيضاح في علل النحو للزجاجي الذي يبيّن فيه خصوصية و تميُّز المنهج النحوي العربي القديم عن المنطق اليوناني قائلا : " غَرَضُهُم غَيرُ غَرضِنا ( أي اليونان ) ومَغزاهُم غيرُ مَغْزانا" .
2- من الناحية التاريخية يعرف الجميع أن منظِّر النحو العربي سيبويه توفي سنة 180 هـ ، بعد أنهى – طبعا -كتابة مؤلَّفه "الكتاب " الذي يعتبر مرحلة متطورة و ناضجة من مراحل التفكير النحوي العربي . بمعنى أن سيبويه كان مسبوقا إلى هذا العلم ( النحو ) بعلماء قبله كأبي الأسود الدؤلي ( القرن 1هــ ) وأبي عمرو بن العلاء (154هـ) ويونس بن حبيب (182هـ) وأستاذه الخليل بن أحمدالفراهيدي (175هـ) الذي يشير إليه دائما في كتابه بقوله : "قال شيخنا رحمه الله "
و هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أن كتاب سيبويه أُلف ـ من الناحية التاريخية ـ ما بين تاريخ وفاة أستاذه الخليل (175هـ) وتاريخ وفاته هو نفسه (180هـ) ، وفي مقابل هذا لو بحثنا عن الفترة التي تمت فيها ترجمة المنطق الأرسطي إلى العربية سنجد أن حنين بن إسحاق قام بهذه الترجمة سنة 264هـ !!
وهذا يبين بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا علاقة للنحو العربي بالمنطق الأرسطي ، لسبب تاريخي بسيط جدا وهو أن جميع النحاة الذين أصَّلوا للنحو العربي ووضعوا أسسه الأولى كانوا قد توفاهم الله بما يفوق الثمانين سنة .
فكيف ياترى تأثروا بمنطق أرسطو وهم لم يعاصروا حتى ترجمته للعربية ؟؟