(وِهاد) ... صديقتي الغالية والوحيدة !

سنتان مرت على رحيلِكِ، ولم تفارقي فكري، ولا قلبي يوما ، بل ولا لحظة.

أيتها الأخت التي لم تنجبها أمي ، الرائعة التي لن تتكرر ...!

أنا بحاجة إليك جدا ، جدا ... فلا زلتُ بدونك وحيدة !!

لا زالت الكلمات تدور بيني وبيني باحثة عنكِ، ولا تُريد ضحكتي -كلما سمعتُ ما يُضحكني – أن تغادرَ مبسمي ، وكأنها تخشى الانطلاق لوحدها بدون رفقة ضحكتكِ ... !

ثلاثة عشر عاما، ونحن لم نفترق، ولم نفكر ببديل عن بعضنا البعض!

كنتُ على مدى عمري، لا أقول لشيءٍ إني فاعلة ذلك غدا، إلا أن يشاء الله، لأني أحسب لرحيلي إلى رحمة ربي حسابا، ومتهيئة له على أنه قد يحدث في أية لحظة ، لكنيّ أيتها الغالية، لم أتهيأ لرحيلِكِ قبلي! فكيف حدث هكذا فجأة، بلا تهيأ مني له ! فكل ذلك كان، ولا يزال، كثيرا كثيرا على قلبي !

أدرك تماما أن مكانَكِ الآنَ أفضل، فللآخرة خيرٌ لنا من الأولى، ولكنيّ واثقة أيضا، أنك برغم هذا الأفضل، تنتظرين مقدمي، مثلما أترقب أنا الرحيلَ إليك ... !

فلا زلتُ إلى الآن بعدك ... حزينة ووحيدة ! ودمعتي التي كانت تهرب عندما تراكِ، حين تستفزها محبتك، ويُخيفها تضامنك ، صارت مرابطة في عيوني، لا تتبخر إلا بفعل ريحٍ طيّبة من ذكراكِ !

أيتها الروح النقية التي لم تُشرك بربها شيئا، ولم يتزعزع إيمانها بالخالق لحظة، ولم تترك صلاتها حتى في أشرس مواجهة في حياتها مع المرض الذي قهرها وقهرني ... !

نعم قهرني أنا أيضا، بعد أن حاولت بكل طاقتي أن أكون أهلا لثقتك بي حين قلتِ لي والبسمة في عيونك ذات ليلة: "أشعر بالأمان وأنتِ بقربي حتى لو كنتُ في الجحيم !" فكم كانت ثقتك كبيرة بي، وكم كنتُ عديمة الحيْل والقوة ! فلم تُفلح بالوقوف ضده، كل محاولاتي لإيجاد سبيل للخلاص منه، ولم تُفلح أيضا، كل نداءاتي المُعلَنة والخفيّة، التي ناديتُ بها ربي ورجوته لينقذك منه! حتى استسلمتِ له واستسلمتُ أنا، بل ووصلتُ إلى أقصى حالات الاستسلام حين رجوت ربي في آخر يوم لك على هذه الفانية؛ أن يرحمك من عذابِها، ويأخذك حيث رحمته في جنة الخلاص والراحة. ولأن! إذا جاء أجلُنا لا نستقدم ساعة ولا نستأخر، كان رحيلُك بعد لحظاتٍ قليلة من ذلك الدعاء !!

وفي آخر ليلة، سهرتُ معك إلى مشارف الصباح، أقرأ القرآن وروحك تصغي إليّ كما كنتِ تصغين إليّ دائما بكل جوارحك حين أتحدث معك ! وقبل أن ينام الجميع قالوا؛ استريحي قليلا، فأجبتهم؛ كيف أتركها وهذه آخر ليلة تجمعنا معا! وفي الصباح رافقتهم إلى مسكنكِ الأخير، ومن هناك كان الفراق بين جسدينا، غير أن روحينا لم تفترقا!

فلكِ أيتها الروح المرافقة لروحي، الراحة والاستقرار إلى جواره الكريم ، ولكِِ رحمة الله تعالى، التي وسعت كل مَنْ في الأرض والسماء، وكل مَن في الدُنيا والآخرة .

ولي أنا أيضا ... رحمتُهُ، وذكراكِ العطرة!