هذه النسخة معدلة
أرجو - فضلا - من طاقم الإدارة اِعتماد هذه النسخة بدلا عن الأولى. وجزيتم خيرا

----------

حينما يجف القلب.. /قصة قصيرة/ عبدالله عيسى

أغاني المجون ترج البهو الفسيح، تقلب الساعات واحدة تلو الأخرى...
جلست ملتاعة بين صخب الطبول وسياط لسانه السليط..! وسرعان ماطوت يدها عن المائدة الممتلئة بما لذ وطاب... بعدما تراءى لها الطعام وكأنه زقوم مختلف أصنافه.
راحت تشغل نفسها بإطعام أطفالها المنشغلين بفرحة النهم، ورهبة الأبُ الثائر.. وسريرتها تتفجر بتراكمات هموم السنين...
لسانهُ لمْ يكف عن لعنها وسبها! وهو يفترس الطعام اِفتراسا. ليس جرما أن ينخفض الطعام عن سخونته الشديدة التي هى مطلبه. بأي ذنب؟ تبقى رهينة لعنة هذا الزوج! تلك الصابرة، المتحاملة، التي عاشت مع مُعَربِد متفلت، لا يميز الخبيث من الطيب .
مازالت اللقمة في فمها معطلة تستغيث من مرارتها في صمت لا هي بلعتها ولا هي أخرجتها .

نهضت وتحركت إلى غرفتها، لترمي أوجاعها عبر النافذة إلى متسع حديقته، ومدت بصرها ليتجاوز الأشجار والثمار... كما تجاوزت رئتيها أيضا النسيم المحمل بعبق الأزهار والرياحين، هربا إلى المدى البعيد، لاستقبال مناظرأخرى، ونسيم آخر...

اتجهت نحو المرآة، وبدأت تتصفح جديد صورتها.. نشرت ضفائرها، مسترسلة إياها تجاه تعاريج سافلها، فتعالت في صورتها موسوعة الجمال التي ضلت قليلا عن حدود اللانهائي.. جراء العبث في قيمة أنثوية ليس هو أهلا للحفاظ عليها. تتفحص هالة السواد التي داهمت حواف عينيها الخضراوين.. تتحسس ثغرها الفستقي مكورة إياه، ليبدو كحبة كروم قانية، تراجعت قليلا عن حمرتها، تتحسس خديها.. تتذكر ما ضيها.. ومطلع مفاتنها.. وهي بستان أنثوي يانع بكل عناقيد الجمال.. تستحضر بربريته...!! وهو يقطف منها كالسارق..! الذي لا يشغله سوى ملء جعبته والفرار؛ فكان الفرار إلى المقهى هـو الركن المفضل لديه عن باقي أركان العَبَث .

ناداها بصوت عالٍ مهيب تخلل جميع أركان (الفيلاّ)
فرت مسرعة وهي تتقيأ ذكراه، وكأنها طعام فاسد .
- نعم
- أين البنطال الأسود؟
- غسلته، وهو الآن على المنشر
- كيف يا ... وبداخله بعض الأقراص
- اطمئن، وضعتهم في درجكَ الخاص
- اذهبي واحضريهم، وأعدي (الشيشة)
- حاضر
أحضرت له مطلبه. وجلس على مجلسه الأنيق، وراح يملأ رئتيه وينفخ في نشوة، فيتزاحم الدخان متدحرجا متخللا الستائر والنوافذ. عيناه تتلون بالاحمرار، تقفزان عليها لتحاصرها في نهم، يفترش صدره الأبيض شعر متكاثف، وكانه غابة مخملية في ليلة داجية. تحرك بخفة ليزداد اقترابا منها. عوده الرياضي المتناسق جعله أكثر ليونة وحركة. مد قدميه، واحدة على الأريكة الزجاجية، والأخرى تعبث في جلبابها لتكشف عن ساقيها.
نظرت أرضا.. وسرحت طويلا... ومن ذاكرتها يطل بائع الخضار- المرفوض
سلفا - متمنية أن يعاود الزمان نفسه.
----------
عبدالله عيسى
3 /01 / 2017