سُلافَةُ العُمر
——

رَأَبَ الفؤادَ بوصلِهِ فتَصَدَّعا
لما اكتسى ثوبَ الرحيلِ
و أزمَعا

و لقيتُهُ بعدَ الفراقِ فضَمَّني
‏ضمَّ المسافرِ حينَ حلَّ فودَّعا

‏أذرفتُ دمعَ سعادةٍ أم أنَّني
‏أهذي و أذرفُ بالمواجعِ أدمُعا

حاولتُ بُعدَكَ ما استطعتُ و شابني
ما يشبهُ الشريانَ حينَ تَقطَّعا

و أردتُّ قُربَكَ فانصهرتُ قصيدةً
كادت لنَزعِ الروحِ أن تَتَطَلَّعا

صعبانِ قربُكَ أو رحيلُكَ
ليتنا
شطرانِ نبقى أو نغادرها معا

لم يتركِ المنفى بمُديةِ سمِّهِ
في قدِّيَ المُضنَى المُعَنَّى موضِعا

و اقتصَّ عِقدًا من سُلافِةِ رحلتي
لأتيهَ..
فانفرَطتْ سُنُوِّيَ تُبَّعًا

الأربعونَ..
و كلُّ عامِ دُرَّةٌ
حاولتُ لمَّ شتاتِهِ فتَمَنَّعا

الأربعونَ!!
و عَاصِفٌ ثَرُّ الذُّرى
أعْمَى
فلَمْ أُبْصِرْ لِعيشٍ مِربَعا

و صحوتُ..
و التاريخُ خلفيَ واقفٌ
و المجدُ نادى:
للأمامِ..
فأسمعا

وعن اليمائنِ و الشمائلِ أعينٌ
رَفَعَتْ عِمادَ العرشِ كي أتربَّعا

صوتٌ مِنَ الأعماقِ
هزَّ منابتي
فَرَبا الكلامُ و شاءَ أنْ يَتَجَمَّعا

و رأيتُ رأيَ العينِ عِقدَ سُلافتي
مثلَ النجومِ على الجهاتِ مُوَزَّعا

قالَ استِقمْ
أنَّى اتجهتَ فثَمَّ مَنْ
قد بايعوكَ و ما إليهمُ مُدَّعى

جمعوا لكَ العقدَ الذي ضيعتَهُ
و هو السَّنا
طافَ الجهاتِ الأربَعا

قد عَلَّقوهُ على جدارِ قُلوبِهمْ
بل توَّجوهُ على الجِباهِ مُرَصَّعا

عَلِقوا بهِ
هاموا
و كانَ أنيسَهم
أبدى ابتسامتَهم
و سَلَّى المَدمَعا

كانوا الإخاءَ و ما اجتمعتَ بُقربِهِمْ
نسَبًا و لا صهرًا و أمًّا مُرضِعا

كانوا امتدادَ العمرِ،
كُلَّ قصيدةٍ،
وطنًا،
و حُبًّا لمْ يكُنْ مُتَصَنَّعا

ما ودَّعوكَ
- و أنتَ قُرَّةُ عينِهمْ -
أبدَ الزَّمانِ وما أراكَ مُودِّعا
————————————

#مؤيد_حجازي