تدقيق في العلاقة بين التشبيه والاستعارة
إذا شاهدت منظر غروب الشمس فإن عقلك الباطن قد يشير إليك بأن هناك شبه بين الشمس والبرتقالة فلماذا وكيف؟
عقلك الباطن أحالك الى صورة مخزنة في العقل هي صورة البرتقالة لما شاهدت صورة الشمس وهي تغرب فيكون المشبه به صورة مخزنة في العقل .
وكذلك كل شيء مخزن في العقل مثل الأصوات والطعم مثل أنك تطعم طعاما فتقول هذا الطعام فيه فلفل أو ليس فيه ملح وما كنت لتعرف هذا الا لأن طعم الفلفل مخزن في عقلك وكذلك لو سمعت صوتا في الشارع فقلت مثلا هذا صوت ديك وماعرفت أنه صوت ديك الا لأن صوت الديك مخزن في عقلك وحتى الإحساس كذلك مخزن في العقل ولذلك قد تشعر بإحساس معين فيحيلك عقلك الى حدث شعرت فيه بنفس الإحساس .
العقل في التشبيه يقيس تماما مثل قياسه في اللغة مثل أنه يقيس اسم الفاعل من الفعل الثلاثي على وزن فاعل فتقول عمن يضرب بأنه ضارب وعمن يلعب بأنه لاعب وهكذا .
التشبيه قياس والقياس تشبيه وهكذا بدأ التشبيه في كلام البشر مثل ان يرى صورة فيحيله عقله على صورة شبيهة بها مخزنة في العقل:
فعنَّ لنا سرب كأن نعاجه
عذارى دوار في الملاء المذيل
يشبه الظباء أو المها الوضيحي بعذارى دوار حول الكعبة لأنهن كن يدرن عاريات في الجاهلية البعيدة وهذا المشهد مشهد العذارى مشهد يحفظه العقل من أول مرة يراه فيه الإنسان لأنه مشهد عجيب .
ولأن المشبه به يكون غالبا صورة مخزنة في العقل قالوا بأن الشاعر ابن بيئته:
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
صخرة عظيمة دفعها السيل بقوة وهو نازل من الجبل نحو السهل .
مستحيل أن ياتي بمشبه به كهذا الا وقد شاهد هذا المنظر وخزن عقله تلك الصورة .
فالمشبه به في التشبيه الذي يكون المشبه فيه صورة مشاهدة أصله أن يكون صورة مخزنة في العقل ثم تفنن الشعراء بعد ذلك فجعلوا المشبه به صورة مخترعة مثل أن تشاهد امرأة جميلة تلبس عقد من ذهب فتشبهها ببدر يتدلى منه عقد من النجوم فالمشبه به بدر يتدلى منه عقد من النجوم صورة مركبة من صورتين مخزنة في العقل صورة البدر وصورة النجوم .
المهم أن المشبه به في التشبيه الذي يكون المشبه فيه صورة له علاقة بالصور المخزنة في العقل فهل الاستعارة كذلك؟
تقول زيد كالأسد هناك صورتان صورة زيد وصورة الأسد وتقول زأر زيد هنا صورة واحدة فقط وهي أن زيدا صار أسدا يزار لأنك أسندت له الزئير مثل أنك إذا أردت أن تسخر من شخص تقول نهق فلان وموضع السخرية فيه أنك جعلته حمارا لأنك أسندت له النهيق فجعلته حمارا بهذا الإسناد.
يظهر ذلك في التشبيه التمثيلي:
يهز الجيش حولك جانبيه
كما نفضت جناحيها العقاب
المشبه صورة مكونة من ثلاثة عناصر الممدوح وهو موجود في القلب وعن يمينه ميمنة الجيش وعن يساره ميسرة الجيش وهذا يسمونه التعبئة اخترعوه بالقياس على جسم الطير والميمنة والميسرة تهتزان مثل أن الجنود يقومون بحركات الاستعداد للقتال أو استعد استرح .
والمشبه به كذلك ثلاثة عناصر صقر وجناحاه وجناحا الصقر يتحركان .
فهذا التشبيه التمثيلي صورتان صورة المشبه وصورة المشبه به فإذا جعلنا هذا التشبيه استعارة تتحول الصورتان الى صورة واحدة لأن المشبه سيدخل في جنس المشبه مثل أن نقول والصقر ينظر الى جناحيه وهما يهتزان أو يتحركان .
فالاستعارة هي دمج لصورتين في صورة واحدة بادعاء أن المشبه خرج من جنسه ودخل في جنس المشبه به .
والاستعارة في الشعر الجاهلي نادرة يقول امرؤ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
امرؤ القيس شاعر مغامرات عاطفية وهو أمير وابن ملك دولة كندة ودائما يصف نفسه بأنه عاشق جريء بأن يجعل المحبوبة ممن لايمكن الوصول اليهن:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
تقول لك الويلات إنك مرجلي
تفاجأت من جراءته وأنه دخل عليها الخدر او الهودج الذي فوق الناقة فصاحت به لك الويلات هل انت مجنون حتى تفعل هذا .
يقصد أنه عاشق جريء .
بيضة خدر:
هذه استعارة بالتركيب الإضافي مثل أن تقول شجرة الأخلاق مضاف ومضاف إليه والمعنى هو التشبيه كانك قلت الأخلاق كالشجرة ثم تقول ثمرة الأخلاق فتكون استعارة لأن المعنى ليس هو الأخلاق كالثمرة ولكن على أن الأخلاق خرجت من جنسها ودخلت في جنس الأشجار .
وبيضة خدر مثلها أصلها(عش خدر)أي الخدر كالعش تشبيه الخدر بالعش والخدر فيه المرأة والعش فيه البيضة فهذه صورتان صورة المرأة في الخدر وصورة البيضة في العش ثم تدمج الصورتين بالاستعارة فتقول(بيضة خدر)مع مافي كلمة بيضة من دلالة معنوية أي لم يقل كتكوت او فرخ لأن البيضة يحظنها الطائر فهي محمية على المعنى الذي قلته لك حتى يصل الى معنى أنه عاشق جريء يقتحم الهوادج والخدور المحمية .
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه
وفي أذن الجوزاء منه زمازم
نفس الغرض الذي في بيضة يريد أن يكثر من الجيش الذي ينتصر عليه الممدوح ليبالغ في شجاعته وقوته .
أذن الجوزاء مثل بيضة خدر استعار الأذن للجوزاء لكي يخرجها من جنس الجوامد الى جنس المخلوقات التي تسمع يقصد أن النجوم سمعت زمزمة الجيش الخصم لكثرة الجنود والسلاح لأن الجيش وهو يتحرك يصدر ضجيجا عبارة عن أصوات متداخلة وهذي هي الزمزمة .
فصورة الجوزاء النجوم وصورة المخلوق الذي يسمع اندمجت في صورة واحدة لتكون لنا مخلوقا جديدا هو النجوم التي تسمع زمزمة الجيش .
والاستعارة مثل أن تقول أرضعتني التجارب الحكمة إنما تظهر فيه المعنوي في صورة الحسي وكأن التجارب أم ترضع الناس الحكمة ولو أردت أن تجعلها تشبيها تمثيليا يكون هكذا:
كأن التجارب وهي تعلمنا الحكمة أم ترضع أبناءها صورتان صورة معنوية وصورة حسية ثم تندمجان في الاستعارة على صورة مخلوق جديد هو تجارب ترضع الحكمة .
هل الحدث الحمراء(قلعة)تعرف لونها
وتعرف أي الساقيين الغماىم
سقاها الغمام الغر فبل نزوله
فلما دنا منها سقتها الجماجم
سقاها الغمام
سقتها الجماجم
لو لم يكن أن قوله(سقتها الجماجم)هو دمج لصورتين دمج صورة المطر في صورة دماء المعركة لتكوين صورة مطر الدم لما صح أن يقول أن الغمام سقاها المطر قبل المعركة والجماجم سقتها الماء أثناء المعركة .
والله أعلم
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي
