ملائكية وليدة
حوارية بين ذات واحدة
- الحب ... الله ، إنه الشعور الذي يجلـِّي إحساس الإنسان بإنسانيته ، فيصنع منه - للمرة الأولى - كائنا زجاجيا حيا ، يجمع بين شفافية الزجاج وتـَسَارُق ما أمامَهُ لما خلفـَهُ في شبهِ تواطئ محبب
وجمال ِالورد واحتضانِهِ لبهجةِ اللمساتِ في وداعة صامتة
ولألأةِ المياهِ حين تلتقي بقبلاتِ أشعة الشمس في ودٍّ متجدد
ومرونةِ الشجيرة حين تـُرَاقصُهَا طفولة ُ نسمةٍ أبَتْ على روحها أن تمر دون أن تترك بصماتِها على ما حولها
إنه ميلاد مفاجئ لإنسانية مشتركة بين الإنسان والأشياء ، تـُسمعه همساتِ الخلايا والذرات ، وتـُشعره بطبطباتِ الكائنات ، ونظراتها إليه في حنو ، واعتذاراتها إليه عن ساعات وأيام وشهور مرت قبل هذه اللحظة الفارقة في تاريخ كينونته .
- وما الجديد في وصف الشمس بالنور الساطع ، أو الليل بالهدوء ؟؟!
- وما الجديد في كل ما نقول ، إلا ملاحظتنا الميدانية الحية التي تنتقل بنا في تقدم سُلـَّمِي من الشك إلى عين اليقين ؟!!
- إذن هل جربت كل المشاعر ، والمأكولات ، والسهرات ، والأنشطة ، والأشياء ، حتى تجزم بسيادة الحب عليها ؟!
- لعل الحب هو القاسم المشترك بين كل هذه الأشياء ، فلو نزعناه من أروع متع الحياة لأخرست همساتِها بالجمال حسراتُ افتقاده ، ولعل الحب الخالص هو أشدها جمالا وإذكاء لأرواحنا وإشعالا لطاقاتنا .
- فهل تستغني بالحب عن المال ، والراحة ، والشعور بالاحترام ، والحياة ؟
- الحب يتفاعل مع فقر المال ؛ ليتمخض عن غنى الروح ، ويعالج الشعور بالألم المادي ؛ ليثمر لذة الروح ، ويغني عن الشعور الأصم بالاحترام والكرامة بذوبان الحبيب في ذات حبيبه وتوحدهما ، ويحول الموت المنظور إلى حياة روحية خالدة
وكلها مشاعر لا ندركها بالقلب المجرد دون إمدادات الحب .
إن القليل من كل هذه المشاعر السابقة مع الكثير من جرعات الحب الحقيقي تكفي لربط الكرة الأرضية في ساق حصان وليد بحبل صغير ، وانطلاقه بها في جولة ممتعة حول العالم .
- احم احم ... نحن هنا .
- هل تعلم أن الشيء الوحيد الذي قرب شعوري بأن في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر : لحظة شعرت فيها باختراقات الحب المهذبة لحصون قلبي ، أو لعني توهمته !
فلو كان كل هذا النعيم ممكنا على تلك الأرض ، بمجرد أن تغمض عينيك وتتذكر ، فما بالك حين تفتح عينيك لترى ، أو تبسط أحضانك لتعوم ، أو تمد جناحيك لتطير ، أو تترقى في مملكة حبك لتكون سلطانا على جنة عرضها جدران رأسك الصغير وقلبك الطفولي ،
وما بال بالك لو أصبحت مَلِكا لجنة عرضها السماوات والأرض ، وظفرت بالحب المطلق ... البريء من هجمات المادة وشراسة الحياة !!!
- وهل هناك في الكون من يستحق كل هذا الحب ؟!!!
- ليس السؤال هكذا ، بل السؤال الصحيح : هل أنا أستحق هذا الحب ؟ فلو استحققته لقيض الله لي من يتمانحه ويتعاطاه معي ، و لو وجدت من يستحقه - وقد يصادفني ولست أهلا له - فهل أنا على استعداد لأتغير ؛ لأصبح أهلا له ؟
- وماذا أيضا ؟؟؟؟
- إنك إذا أحببت بصدق ، قد تكون قليل العزم والحظ ... فتصبح مَلـَكـًا ، وقد تظفر بالأخرى ... فيتمنى الملائكة أن يكونوا مخلوقا من طرازك .
- وما هذا الطراز الفريد الذي قد يتمناه الملائكة ؟!!!!!!
- أنت في هذه الحالة ستحب ؛ فتقترض من النهار وحشية الليل بدونه ، ومن الأشياء كونها ، بعد أن كانت رقما في عالم المشيئة المؤجلة ، وتصير قمة الإعجاز لديك أن تكون قادرا على ألا تحتضن ذاتك الأخرى ، بقوة نملة جبارة منحتها القدرة ُالإلهية ما لم تمنحه إنسانية ً مفتولة َ النعرات !!!!!!!!!!
ثم تحب الحب ؛ فتترك للنجوم فرصتها لتتقمص تآلـُقـَكَ حين تتآلقُ في عيون حبيبك ، وللمواويل حقها في الرتوع في رياضك دون تأشيرة انتهاك !!!!!!!
ثم لا تكره الكراهية ، بل تتصالح معها ، وتصالحها على العالم ، وتروض جموح الكائنات من حولك ؛ لتكسبها من طبيعتيكما .
ثم يستكثر العالم على نفسه وجودك المطلق ؛ فيستنسخ من غيابك ما يكفيه ليعتادَ الزمانُ والمكانُ حضورَكَ غائبًا ، أو غيابَكَ حاضرًا .
فإذا تناثرت منك على جدران الوقت دماء نورانية : كانت السلمة الأولى نحو التحول .
- وما المظاهر البسيطة المباشرة لهذا التحول ، والتي قد تصيدها عدسة قلب فــَـتـِيٍّ لا يزال على قيد الإنسانية الأولية ؟
- ما الذي يصالحك على فيزياء الطبيعة ؛ فتشعر بالدفء الحقيقي في ذروة البرد المادي ، لمجرد إحساس داهمك ؟
وما الذي يشعرك برغبة غلابة في احتضان الجدران وتقبيل الأعمدة ؟
وما الذي يسحب من فمك الصغير اعتذارا منطوقا إلى قلم راوده الهواء عن نفسه فهوى على الأرض ، ليعتذر هو لك عن مادية العالم من حولك ؟
وما الذي يجعلك تؤمن في غفوة ما : أن قول القائلين : " أنا طائر من الفرحة أو النشوة " قولٌ حقيقيٌّ لا مجازي ، وأنها صوفية سبقك إليها من سبقك ، وسيلحقك إليها من سيلحقك ، وأن طرفي كتفيك أعلنا ثقبين جليلين جاهزين لانطلاق جناحين قادرين على الطيران ؟!
- ألا ترى أن الجميع قادرون على الأحلام ؟!!!!
- ليس كل ذلك من قبيل الحلم الساذج ، أو الخيال المجاني ، وإنما من قبيل تفجر حواس جديدة .
الإنسان الخارق لدينا هو ذلك الذي يتميز ببصيرة صادقة ، نجترئ على تسميتها أحيانا فنطلق عليها الحاسة السادسة . رغم أنها لا تزال قابعة في مجال الشعور الروحي المستضاف في دائرة المدركات ، لا الإحساس المادي المرابط في معسكر الجسد .
من هذه الطاقة الصغيرة المتاحة لنا نطل على عالم الحواس المتفجرة ، فنستطيع أن نبني عوالم روحية أخرى ، لا نعطيها الصفة الحسية إلا ونحن ملائكة بشريون ، أعني ذلك النموذج الفريد الذي لو كنت ملـَكـًا لتمنيت أن أكونه ، ولقدمته على نفسي طوعًا أو كرهًا ، لأقول له بكل طمأنينة وإذعان :
"تقدم فإنك لو تقدمت اخترقت ، أما أنا ... "
- .................................................