أحدث المشاركات
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 33

الموضوع: أيها السائلُ عني من أنا !!... رسالة إلى أمة

  1. #1
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي أيها السائلُ عني من أنا !!... رسالة إلى أمة

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    أيها السائلُ عني من أنا !!


    أنا من اغتُصَبتْ فلولُ عزتي في أيدي المعتدي , ونزفتْ شرايينُ عروبتي في كأسِِ خمرٍ في يدِه. كأسٌ يضربُ كأساً وخثراتُ دمي تهوي في حلوقِهم صارخةً يشربون نخبَ غدرهم فوق أطلالِ مجدي, وتتناثرُ أصواتُ ضرباتِ كؤوسِهم... شظايا مسمومةً مستقرةً في رأسي, وتتبخترُ ضحكاتُهم في فجورٍ.. تتحرشُ بأذنِ العربِ الصماءِ.

    أنا من أسيرُ مثقلةَ الأحمالِ ينوءُ ظهري بحمله, أحملُ رأسًا .. شُوه بقضيبٍ من عبثٍ, أبحثُ له عن بقايا جسدٍ, وطفلًا تتدلى أحشاؤه؛ أحاولُ رَتقها فتعودُ وتتدلى فوق جدرٍ شيباءِ الشعرِ... نسِيَتها ورودُها, واستَوَطنتها أراملٌ سوداءٌ, تصْطفُ تنعي أزواجًا يمتطون صهوةَ أشلائِهم المتبعثرةِ في الطرقِ.

    أيها السائلُ عني من أنا !!

    أنا نصفُ امرأةٍ.. فقدتْ ثديَها وذراعَها , وأبٌ مقسومٌ شطرينْ؛ شطرًا يبحثُ عن أشلاءِ أبنائِه في الشوارعِ وعلي الأرصفةِ.. وشطرًا تركُه خلفَه يموتُ خوفاً علي بقايا زوجةٍ, وأمٌ ثكلي فقدتْ بصرَها خلفَ ابنٍ يفترشُ جلدَه ظلامُ السجون ويلتحفُ عنقَه المقصلةُ, وآخرٍ وَراهُ الثري؛ تتلمسُ يداها المبتورةُ أصابعِها – أذنَها المعلقةَ في سماءِ الليلِ يسحبُها خيطٌ هاربٌ خلفَ مقاتلتِه, تنتظرُ لحظةً غادرةً تقصفُ بآخرِ من تبقي لها
    .
    أنا شمسٌ عانسٌ؛ نام النومُ في جسدِها طويلاً وعندما استيقظَ, ماتتْ اليقظةُ؛ شمسٌ تنامُ وحيدةً باردةً في فراشٍ معفرٍ وتلفُ أشعتَها في خرقةٍ باليةٍ مرفوعةٍ كرايةٍ مستهلكةٍ فوقَ أطلالٍ كانتْ يوماً مملكةً؛ رايةٍ تحملُ آثارَ دماءٍ حمراءٍ وخيطَ ليلٍ أسودٍ كئيبٍ يعانقُ شريطًا لأفقٍ أبيضٍ محتضرٍ ينبضُ فيه اسمُ اللهِ الأكبرِ الذي لن تلونَه أبدًا أوحالُ مستنقعاتِهم.

    أيها السائلُ عني من أنا !!

    أنا أرضٌ صارتْ مقبرةً؛ لا حنينَ لها ولا ذاكرة. أشجاري جفتُ أوراقُها، والغصنُ فيها مُهترئٌ, وزهوري استحالتْ جِرارًا مقلوبةً, يختبئُ بها أشباهُ رجالٍ كانوا يوماً أسودَ عزةٍ. هُز الآنَ إليكَ بجزعِ الشجرِ, لن تجنيَ منها جنيًا ولا رطبًا بل سيسَّاقطُ عليكَ خوذةُ "صلاحِ الدين", وسيفُ "المنصوري", وترنيماتُ ابتهالٍ من فمِ "الهارون الرشيدي", ونفحاتٌ من دمِاءِ "علي" الطاهرةِ المسفوحةِ غدرًا.

    أنا سماءٌ سكنتها الغربان, وطيورٌ عاريةٌ هجرتْ ريشَها واكتفتْ بصمتِ الحريق.. سُحبي تَُسقطُ قَطرًا ملوثاً بدماءِ الأبرياء, وحروفَ عُهرٍ وشظايا كؤوسِ طهرٍ كان. لَملمتْ سمائي نجومَها ونزلتْ إلي الظلماتِ؛ سجادة مبللة بطلقات لفظتها البنادق... تدوسها أقدامُ كلابٍ جائعةٍ لا تعرف الشبعَ .

    أيها السائلُ عني من أنا !!

    أنا ما عدت أعرفُ من أنا...

    القلبُ الآن قنينةٌ فارغةٌ.. دماؤه تُعتقُ في زجاجاتٍ علي رفوفِ أقبيتِهم , وفي صناديقِ أوكارِهم. وما تبقي تقيأته مراحيضُهم. امتلأتْ الزجاجاتُ وفاضتْ, وضجتْ سدادتُها فانفجرتْ, وانطلقتْ ترسمُ قمرًا أحمرًا داميًا يتعلقُ في سماءِ كرامةٍ تنوحُ على عزِها.

    مزقوا أوصالي: شرقي يقتاتُ حصىًً مغموسًا من عمقِ الجُرحِ, وغربي يستلقى صبارًا مصفرًا, كرَّدوا رأسي وموصلوها وشرَّدوها , بصَّرَّوُا قدميَّ ونجَّفوها وكوَّفوها, وقطَّعوها , وأقاموا موائدَهم من قلبي, يقتتاون من لحمِه ويشربون من نبضاتِه, بعدما بغددوها وكربلوها, وفلجوها وأبادوها .

    جفَّ دجلي, واستحال ملحًا يتسولُ ماءً من دموعي, رياحُ اليأسِ تسكنُه, وتلفحُ شراعَ أملٍ ممزقٍ معلقٍ على ساريةِ الانتفاضةِ المغروسةِ على قاربِ نجاةٍ يعرجُ. قارب؛ بعدما انتهيتُ من صنعِه, جفَّ في دجلي شريانُ الأملِ.

    وفراتي يتقيأ جثثًا.. ضع يدُك في مائِه, فيطفو لكَ جزءٌ من جسدي, وبعضٌ ثانٍ في الماءِ مع ألفِ ألفِ جزءٍ آخرٍ متعفنٍ. وبعضٌ ثالثٌ على شاطئِه القريبِ يلوحُ يائسًا لبعضٍ آخرٍ على شاطئِه البعيدِ.

    أيها السائلُ عني من أنا؟

    أنا ألفُ خذةٍ في وسادةِ التاريخِ, تحرمُ جفونَه النوم... وتسحبُ الغطاءَ عن وجهِه المجعدِ, وتصبغُ لحيتَه الشهباءَ بالأحمرِ القاني.... بالدمِ.

    فهل عرفتَ الآن من أنا؟؟؟





    إهداء:

    إلى من قال لي بومًا
    أنا لن أخرج من طيني وترابي
    فأنا العراق
    بكل ذرات طينه
    هو لحمي ودمي

    إلى الروح المقاتلة
    إلى بطل السلام في صخب الحرب
    إلى الذي نبضه .. الإنسان
    إالى من فطمته أمه على حب الفرات
    فما
    خان

    إلى خليل حلاوجي

    ومليون خليل يحضن أرضه الصابرة تحت وطء المعاناة
    ويتلقى عنها الطعنات

    إلى العراق وفلسطين ولبنان
    إلى كل أمة صابرة تنتظر مداد الرحمن
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  2. #2
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    أما أنا فقد عرفتك ، ولم أكن لأسأل إذا ما تاهت بي الدروب وبعثرت الجغرافيا بقايا ذاكرتي المتعبة ، ما كنت لأسأل عن حرف نقي يقض مضاجع من شوه تاريخنا ومزق أحلام فقراءنا ، ولوث بحنجرته الخبيثة تاريخ من يدعي ظلمًا وعدوانًا أنه ينتمي له .
    أنا عرفتك أيتها القابعة خلف قضبان الحقيقة وها أنتذا تطلقين سراح الحلم ليعيد تكوين خيوط الأمل من جديد عبر حروف أدمت قلوب من كان لا يعرف أو لم يكن يريد أن يعرف ، فلعل الحقيقة المبكية تحرك شيئًا قد مات منذ زمن بعيد ، لعلها تحرك وتوقظ ضميرًا غائبًا لم يعد يعنيه شأن هذه الأمة.
    لكِ أنتِ كل أزهار الأرض ولخليلنا لعزيز أشواقنا وحبنا الذي لن يموت إلا ببتر قلوبنا المشتاقة للقياكم .
    الأديبة المتألقة دومًا د. نجلاء طمان
    تقبلي تقديري واحترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الدكتورة / نجـــلاء

    نص يحتاج إلى الكثير من التأمل لملامسة خيوط النور التي تختفي خلف ضبابية المشهد لتبلغ الهدف من الرسالة و المقصد .
    لذلك سأعود بعد قراءات متعددة بإذن الله فالنص يستحق أكثر من وقفة .
    دمت بارعة في تصوير الألم .

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 266
    المواضيع : 25
    الردود : 266
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    د نجلاءحفظك الله:

    نص ينوء تحت ثقل هم كبير وواقع اليم تزخر به سطورك

    دام قلمك معطاء ودمت بكل ود وتقدير

    احترامي الكبير لك

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2008
    المشاركات : 83
    المواضيع : 2
    الردود : 83
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    سيدتي الرائعة د.نجلاء طمان

    اسمحي لي أولاً:

    أن أحيِّ هذا الحرف النابض

    بآلام الأمة المستشعر حزنها, الباكي على أمجادها الضائعة,

    الحالم بأحفادٍ يرثون أجدادهم

    علّها تعود لأمتنا أمجادها

    ثانيا:

    تهنا
    يوم صار الرجال انصافاً
    يوم انقسمنا وتباعدنا
    يوم شطرنا الأكبر تاه في الملذات ونسي ربه
    والأصغر ضاع بحثاً عن لقمة عيش تقيته
    تهنا
    يوم أُكل الحصان الأبيض

    تحية لك سيدتي من القلب

  6. #6

  7. #7
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راضي الضميري مشاهدة المشاركة
    أما أنا فقد عرفتك ، ولم أكن لأسأل إذا ما تاهت بي الدروب وبعثرت الجغرافيا بقايا ذاكرتي المتعبة ، ما كنت لأسأل عن حرف نقي يقض مضاجع من شوه تاريخنا ومزق أحلام فقراءنا ، ولوث بحنجرته الخبيثة تاريخ من يدعي ظلمًا وعدوانًا أنه ينتمي له .
    أنا عرفتك أيتها القابعة خلف قضبان الحقيقة وها أنتذا تطلقين سراح الحلم ليعيد تكوين خيوط الأمل من جديد عبر حروف أدمت قلوب من كان لا يعرف أو لم يكن يريد أن يعرف ، فلعل الحقيقة المبكية تحرك شيئًا قد مات منذ زمن بعيد ، لعلها تحرك وتوقظ ضميرًا غائبًا لم يعد يعنيه شأن هذه الأمة.
    لكِ أنتِ كل أزهار الأرض ولخليلنا لعزيز أشواقنا وحبنا الذي لن يموت إلا ببتر قلوبنا المشتاقة للقياكم .
    الأديبة المتألقة دومًا د. نجلاء طمان
    تقبلي تقديري واحترامي
    وكيف لا تعرفها يا فطنًا في دروب الصبر تعدو, حاملًا فوق الكتف عبئًا ثقيلًا؟؟

    كل التقدير لمروركَ العبق

    يرعاكَ ربي ويحفظكَ

  8. #8
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    أيها السائلُ عني من أنا !!

    إنها أرصفتنا الحزينة كما يقول خليل حلاوجي
    خليل جناحاه السلم و العلم
    يقاتل و بندقيته بين اصابعه : فكر و قلم

    و الغاية كبيرة جليلة
    إنها الانسان القابع في شرنقة الضياع
    أن يصحو ليعيش بقلب و عقل
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  9. #9
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    أنا لن أخرج من طيني وترابي
    فأنا العراق
    بكل ذرات طينه
    هو لحمي ودمي

    إلى الروح المقاتلة
    إلى بطل السلام في صخب الحرب
    إلى الذي نبضه .. الإنسان
    إالى من فطمته أمه على حب الفرات
    فما
    خان
    الإنسان : موقف

  10. #10
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أيها السائلُ عني من أنا !!
    أنا من اغتُصَبتْ فلولُ عزتي في أيدي المعتدي , ونزفتْ شرايينُ عروبتي في كأسِِ خمرٍ في يدِه. كأسٌ يضربُ كأساً وخثراتُ دمي تهوي في حلوقِهم صارخةً يشربون نخبَ غدرهم فوق أطلالِ مجدي, وتتناثرُ أصواتُ ضرباتِ كؤوسِهم... شظايا مسمومةً مستقرةً في رأسي, وتتبخترُ ضحكاتُهم في فجورٍ.. تتحرشُ بأذنِ العربِ الصماءِ.
    أنا من أسيرُ مثقلةَ الأحمالِ ينوءُ ظهري بحمله, أحملُ رأسًا .. شُوه بقضيبٍ من عبثٍ, أبحثُ له عن بقايا جسدٍ, وطفلًا تتدلى أحشاؤه؛ أحاولُ رَتقها فتعودُ وتتدلى فوق جدرٍ شيباءِ الشعرِ... نسِيَتها ورودُها, واستَوَطنتها أراملٌ سوداءٌ, تصْطفُ تنعي أزواجًا يمتطون صهوةَ أشلائِهم المتبعثرةِ في الطرقِ.
    أيها السائلُ عني من أنا !!
    أنا نصفُ امرأةٍ.. فقدتْ ثديَها وذراعَها , وأبٌ مقسومٌ شطرينْ؛ شطرًا يبحثُ عن أشلاءِ أبنائِه في الشوارعِ وعلي الأرصفةِ.. وشطرًا تركُه خلفَه يموتُ خوفاً علي بقايا زوجةٍ, وأمٌ ثكلي فقدتْ بصرَها خلفَ ابنٍ يفترشُ جلدَه ظلامُ السجون ويلتحفُ عنقَه المقصلةُ, وآخرٍ وَراهُ الثري؛ تتلمسُ يداها المبتورةُ أصابعِها – أذنَها المعلقةَ في سماءِ الليلِ يسحبُها خيطٌ هاربٌ خلفَ مقاتلتِه, تنتظرُ لحظةً غادرةً تقصفُ بآخرِ من تبقي لها
    .
    أنا شمسٌ عانسٌ؛ نام النومُ في جسدِها طويلاً وعندما استيقظَ, ماتتْ اليقظةُ؛ شمسٌ تنامُ وحيدةً باردةً في فراشٍ معفرٍ وتلفُ أشعتَها في خرقةٍ باليةٍ مرفوعةٍ كرايةٍ مستهلكةٍ فوقَ أطلالٍ كانتْ يوماً مملكةً؛ رايةٍ تحملُ آثارَ دماءٍ حمراءٍ وخيطَ ليلٍ أسودٍ كئيبٍ يعانقُ شريطًا لأفقٍ أبيضٍ محتضرٍ ينبضُ فيه اسمُ اللهِ الأكبرِ الذي لن تلونَه أبدًا أوحالُ مستنقعاتِهم.
    أيها السائلُ عني من أنا !!
    أنا أرضٌ صارتْ مقبرةً؛ لا حنينَ لها ولا ذاكرة. أشجاري جفتُ أوراقُها، والغصنُ فيها مُهترئٌ, وزهوري استحالتْ جِرارًا مقلوبةً, يختبئُ بها أشباهُ رجالٍ كانوا يوماً أسودَ عزةٍ. هُز الآنَ إليكَ بجزعِ الشجرِ, لن تجنيَ منها جنيًا ولا رطبًا بل سيسَّاقطُ عليكَ خوذةُ "صلاحِ الدين", وسيفُ "المنصوري", وترنيماتُ ابتهالٍ من فمِ "الهارون الرشيدي", ونفحاتٌ من دمِاءِ "علي" الطاهرةِ المسفوحةِ غدرًا.
    أنا سماءٌ سكنتها الغربان, وطيورٌ عاريةٌ هجرتْ ريشَها واكتفتْ بصمتِ الحريق.. سُحبي تَُسقطُ قَطرًا ملوثاً بدماءِ الأبرياء, وحروفَ عُهرٍ وشظايا كؤوسِ طهرٍ كان. لَملمتْ سمائي نجومَها ونزلتْ إلي الظلماتِ؛ سجادة مبللة بطلقات لفظتها البنادق... تدوسها أقدامُ كلابٍ جائعةٍ لا تعرف الشبعَ .
    أيها السائلُ عني من أنا !!
    أنا ما عدت أعرفُ من أنا...
    القلبُ الآن قنينةٌ فارغةٌ.. دماؤه تُعتقُ في زجاجاتٍ علي رفوفِ أقبيتِهم , وفي صناديقِ أوكارِهم. وما تبقي تقيأته مراحيضُهم. امتلأتْ الزجاجاتُ وفاضتْ, وضجتْ سدادتُها فانفجرتْ, وانطلقتْ ترسمُ قمرًا أحمرًا داميًا يتعلقُ في سماءِ كرامةٍ تنوحُ على عزِها.
    مزقوا أوصالي: شرقي يقتاتُ حصىًً مغموسًا من عمقِ الجُرحِ, وغربي يستلقى صبارًا مصفرًا, كرَّدوا رأسي وموصلوها وشرَّدوها , بصَّرَّوُا قدميَّ ونجَّفوها وكوَّفوها, وقطَّعوها , وأقاموا موائدَهم من قلبي, يقتتاون من لحمِه ويشربون من نبضاتِه, بعدما بغددوها وكربلوها, وفلجوها وأبادوها .
    جفَّ دجلي, واستحال ملحًا يتسولُ ماءً من دموعي, رياحُ اليأسِ تسكنُه, وتلفحُ شراعَ أملٍ ممزقٍ معلقٍ على ساريةِ الانتفاضةِ المغروسةِ على قاربِ نجاةٍ يعرجُ. قارب؛ بعدما انتهيتُ من صنعِه, جفَّ في دجلي شريانُ الأملِ.
    وفراتي يتقيأ جثثًا.. ضع يدُك في مائِه, فيطفو لكَ جزءٌ من جسدي, وبعضٌ ثانٍ في الماءِ مع ألفِ ألفِ جزءٍ آخرٍ متعفنٍ. وبعضٌ ثالثٌ على شاطئِه القريبِ يلوحُ يائسًا لبعضٍ آخرٍ على شاطئِه البعيدِ.
    أيها السائلُ عني من أنا؟
    أنا ألفُ خذةٍ في وسادةِ التاريخِ, تحرمُ جفونَه النوم... وتسحبُ الغطاءَ عن وجهِه المجعدِ, وتصبغُ لحيتَه الشهباءَ بالأحمرِ القاني.... بالدمِ.
    فهل عرفتَ الآن من أنا؟؟؟

    إهداء:
    إلى من قال لي بومًا
    أنا لن أخرج من طيني وترابي
    فأنا العراق
    بكل ذرات طينه
    هو لحمي ودمي
    إلى الروح المقاتلة
    إلى بطل السلام في صخب الحرب
    إلى الذي نبضه .. الإنسان
    إالى من فطمته أمه على حب الفرات
    فما
    خان
    إلى خليل حلاوجي
    ومليون خليل يحضن أرضه الصابرة تحت وطء المعاناة
    ويتلقى عنها الطعنات
    إلى العراق وفلسطين ولبنان
    إلى كل أمة صابرة تنتظر مداد الرحمن

    ========

    نجلاءنا الراقية الغالية

    أسمى آيات الشكر والتقدير لهذه الرسالة المصوغة بدم الجرح ، ورحيق القمر
    مرآة مجلوة مصقولة بنار الوعي ، ونور البصيرة
    لنطالع بها ما بأنفسنا، وما ران على قلوبنا من عوامل الوهن


    للتثبيت كما ثبتها بقلوبنا

    بوركت
    ودمت بحفظ من الرحمن

    مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أنا أمة الأحزان
    بواسطة محمد الهاشمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 12-07-2016, 04:35 PM
  2. صمتٌ متشحٌ بالكبرياءِ.... رسالة إلى مَنْ كان وحيدي !
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 26-12-2011, 08:12 PM
  3. السائل
    بواسطة يحيي النادي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 17-12-2006, 06:53 PM
  4. أَنَا... مَنْ أَنَا؟
    بواسطة عيسى جرابا في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 19-08-2006, 06:27 PM
  5. رسالة إلى أمة كانت خير أمة أخرجت للناس
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-03-2006, 12:01 AM