كانت تعتنقني الحيرة و أحيانا التيه عندما أحس أني أقدم على فعل شئ غير متجانس مع ذاتي ..فمثلا كنت أضطر لمجاملة شخص لا أكن له إلا مشاعر عادية جدا ..إلا أن الظروف كانت تضطرني لمصافحته و أحيانا للحديث إليه.. و الإنصات لمواعظه و لحكمه و خبراته في الحياة و التي غالبا أكون متأكدة أنها مجرد شعارات واهية و طقوس من أجل إشعار الجميع بمدى القيادة التي يتربع عرشها ..آنذاك و في اللحظة التمام كنت أهاجمه و أرده إلى الطريق الصواب.. أواجهه رغم غيظه مني.. فحنقه الشديد علي ما كان ليجعلني أتوارى أو أتنازل عن قناعاتي.. أدافع عن الحق و عن الحقيقة التي غالبا لا أجد موطنها بين كلماته المتلألئة...أرى الجميع و قد تقمصهم سرطان الصمت ..وغالبا ما كنت أسأل نفسي لماذا هذا الجبن؟ ..لماذا لا يقاوم الإنسان ضعفه و يصرخ بأعلى صوته.. بأعلى درجة بحنجرته.. ليقول له كفاك كذبا على الذقون ..كفاك هراء.. كفاك تصنعا.. فالمسرحية باتت أقنعتها مكشوفة.. كفاك من التبلد و استغباء العقول.. لماذا لا يروي ظمأه و يسدد الصورة الحقيقية للآخر؟ ..لماذا كل هاته الاحتياطات و هاته التدابير اتجاه هذا الشخص الذي غالبا ما يكون مسؤولا.. مديرا رئيس مكتب.. أو أو ....المهم أولئك الذين يبيحون لأنفسهم ما لا يبيحون لغيرهم تحت وزر الكرسي والمنصب..ولماذا لا يعترف المسؤول باختلاف الرأي و يؤمن بنظرية إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ..لماذا يصبح الود كراهية و حقدا؟..لماذا يجعل المسؤول من المعارضين لنظرياته و قناعاته و أفكاره أضحوكة أو أرجوزا؟ ..لماذا يتصيد له الخطأ و يتربص له إن أحس معارضته ..إن أحس عدم تبعيته له ..لماذا يتحين كل الفرص لإذلاله و الانتقام منه .. حتى يكون عبرة للآخرين؟ .. أليحافظ على أبراج و حدود مملكته ؟ألكي يسد على نفسه فوهة المعارضة ؟..ألكي يظل قابعا على عرش الأسد ..؟
كنت غير باقي الناس أتصرف ..كنت ثائرة أقول الحق علنا..أحلل ما تحت السطور.. و أخلع عن النوايا السيئة الرداء.. كنت أزيل القناع عن أي قرار اتخذ في حق الرعايا ..كنت أتنفس اتهامنا بالرعاع و الغوغاء من بعيد ..كنت أكره أن أصاب بداء العبودية ..كنت أهلل بمصطلحات الإنسانية و الحرية و الحقوق المغتصبة ..و أن الحق يأخذ و لا يعطى.. و أننا ذوي فكر و علينا أن نكون القدوة الصالحة.. و أن علينا النهوض من سباتنا للنضال و للاتحاد.. تحت كلمة واحدة هي اضعف إيماننا ..لكن كلماتي أضحت تائهة مني ..لكن صوتي خفت هاته الأيام.. أضحى مبحوحا.. أصيب بضربة برد حادة.. أضحيت مثل الجبناء.. أهرب حيث يوجد المسؤول ..أغير باب النقاش إلى حديث الموضة و الرحلات ...أضحيت باختصار إنسانة أخرى مختلفة عني.. لست أنا إطلاقا.. حتى أني لم أعد أقو على التحديق بالمرآة...هل أغواني الاستسلام و الاستسهال؟هل سأستمر في غيبوبتي ؟ هل سأستطيع أن أعيش مكبلة.. و اللجام مشدود على كل عضو من أعضائي ؟ هل حقنوني بمورفين الخوف دون وعي مني ؟..هل أصبت بعدوى الجبن و الغباء ؟ هل فقدت نفسي بين زحام المتناقضات ؟
ندى يزوغ..
المغرب
11 12 2007