أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: بيني وبين عنترة ( الجزء الأول )

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي بيني وبين عنترة ( الجزء الأول )

    بيني وبين عنترة
    ــــــــــــــــــ
    الجزء الأول :
    لولاكِ ما تخطّيتُ الملك ،،، عَمْرَكِ الله يا فتاة وهل المرقسي يُتجاوز عنه ؟ ولكنها الرغبة حيث رغبتِ عن ذي القروح ، ورغبتِ في عنترة ،،، .
    مع أني كنت أبغي الوفاء بحقوق الملك أولا ، ثم حبيب القلب طرفة بن العبد ، ثم وثم ، وعجز اليراع حتى جفّ ، وحتى بعثته مجددا .
    أما وقد مسكتُ القلم ،،، فسأنتقي الكلمة والوصف كالأعرابية تنتقي القُمّل من رأس الصبي .
    ولأدخلنّ في حوض الحُسن حتى يقول الحوض قَطْنِي .
    ولي عليكِ حق الوفاء بالشرط ، يشدّ من أزره حق الجوار : أنكِ إذا شددت رحلكِ ويممتِ شطر عنترة والحسين ، أن تهدينا طعاما أحْكَمت طبخه يدان بارعتان ، واستوفى نضجه بنَفَسٍ من لدن الروح ، فَنَفس الروح يشفي البدن حتى وإن جُمع الطعام من خرائب يباب[1] .
    وأخرى ،،، ألا تجلبي الشوكولا ، كي لا يغضب أبو المُغَلّس[2]، ظنا منه أنك تهزئي بلونه ، فتصيري كأنك أتيتِ بأمّ الرُّبَيْق على أُرَيْق[3]، ثم أين أين المهرب من هذا العبسي .
    ــــــــــــــــــــــ
    إنها الدّهْناء ،،، فلاة أعْرَى من سراةِ أديم ،،، الصحراء التي طالما ذكرها عنترة بشعره ، حيث له بها ولع شغوف فتارة يذكر الصّمان وأخرى يحاكي المتثلّم ، وحق على من يعشق عنترة أن يعشق آثاره وأطلاله ،،، رياح تسفي كَحَثْيٍ باليد ، ورمال تعفي كمسحٍ مُنَضّد ،،، وبُرقان يزهو وكثبان تعلو،،، كأن الآرام[4] فيها فضلة من ندى ظبي أغنّ يوشك أن ينير الليل بحسنه[5] .
    ثم مكثتُ أرقب مجيء الصحب بقلب يخفق وصدر يعتلج ، حتى كاد يبلغ الحلق فيخنقني !!! غير أن الليل طامن الفؤاد ،،، وبنَفَس يضطرب وعين تختلج !!! غير أن القمر الزاهر هدّأ الروع ،،، فجعلت أبحث في الرمل ساعة وأخرى أعبث بالحصى ، حتى سمعت وقع أقدام ،،، فأحدقت تلقاء الصوت لأستشرف الآتي ، فلم يكن الليل إلا حائلا دون التحقق .
    فأمعنت النظر بعد أن اقترب الصوت ،،، وإذا بإزار يسير !!! وأخفاف تمشي !!! فجزعتُ لهول ما أرى ،،، ما هذا الثوب الذي يسير من ذات نفسه ؟ وما تلك الأخفاف تتحرك كأنها وكـأنه الشبح ؟ جاء ليثبت حضوره بعد أن كفرتُ به !!! فَهَمَمْتُ أن أهرب إلا أن شجاعتي لم تبرحني بعد ،،، فقلت لنفسي لعله من الجن جاء ليطير بي فوق رؤوس الجبال ، فتلوت المعوّذتين ثم أردفتهنّ بأعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق ،،، غير أن الثوب لا زال يسير ويقترب !!! وإذن فلا مناص من إسباغ الشجاعة وإلا لتلبّسني هذا الجان .
    وفجأة ،،، ضحك هذا الشيء ، فانكشفت أسنان أوضح القمر بياضها !!! فعُدت أهدأ ، وأخذ الخوف ينسلّ انسلال خيط علق بخُطّاف ،،، فقلت مستوضحا هويته ، منْ؟
    قال : عنترة .
    قلت : قاتل الله مثلك ،،، أسود اتخذ من الليل الأسود راحلة ! حتى ذاب كلّ في صاحبه ، وحتى ظننتُ مقامي الساعة بعَبْقر ! .
    قال : علمتُ ذلك ،،، ثم ضحك مجددا .
    قلت : علام تضحك ؟
    قال : صلواتك التي سمعتها تنبئ عن هلع راعك .
    قلت بعد أن آنستني حقيقته : اقترب واجلس .
    فاقترب وإذا به فحل أسود ،،، مجدول الساعدين ، عريض الصدر تنثني به رؤوس الأسنة ، لا تكاد تمضي بعنقه أحدّ الشفرات والسكاكين ، بعينيه حمرة كأنها الجمر ،،، ثَبَتَ أنه ليس رجلاً وإن أشْبَهَهُ كل رجل ! بل جملة أعْبُد تضارب بعضها في بعض ثم استوت في واحد !!! ،،، ثم جَثَم أمامي كأنه الغراب الأسود !!! .
    فقلت له مازحا : ما هذا السواد يا أبا المُغَلِّس ؟
    قال : وما ذنبي ؟ ،،، ذاك شداد وقع على زبيبة ، فأوْلَدَها ما ترى ،،، غير أني السيد الحُلاحِلْ[6]، صاحب المجد المؤثّل القُدْمُوْس[7] .
    قلت : أنعم بكَ وبلونك يا عنترة .
    قال : عيرني بنو عبس بلوني وقالوا يا أسود تارة ، ويا ابن زبيبة تارة أخرى ،،، وغفلوا عن معنى الأسود ، إذ هو ترقّي السيد في السيادة حتى يصير الأسود ، كقولك كريم فإن زاد كرمه صار الأكرم ( صيغة مبالغة ) .
    قلت : أصبت أيها الفارس الهمام ، والسيد الأسود ،،، ولقد ذكرتني بالأسودين ( التمر والماء ) وحقا كانا ولا زالا سيدا الطعام .
    قال : نعم التمر والماء سيدا الطعام ،،، من قال ذلك ؟
    قلت : زوجة رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
    قال : رسول ماذا ؟؟؟ !!! .
    قلت : دعك من هذا ،،، فذلك شأن آخر ، إذ ينبغي عليك أن تولد بعصره أو بعده ، لا قبله ثم نعرف سيرتك من خلال الأثر والتاريخ وإلام انصرفت ،،، وهذا ضرب من الخيال ، لأنه بُعث بعدك يا عنترة .
    قال : أوَ صلواتك وتعاويذك التي سمعت ، من أقواله ؟
    قلت : هي مما أوحي إليه ومن تعاليمه ،،، .
    هزّ رأسه وقال : أوَحدك أنت في هذي الفيافي القفار ؟
    قلت : توشك أن تصل أنثى وليست كغيرها من صويحباتها ، تجعل المخّ يتبلّد فيُعْجزه أن يجِدَ جديدا ،،، أو يرجع رشيدا ! .
    قال عنترة بعد أن استدارت حماليقه[8] : هاه ،،، وماذا بعد ؟ .
    قلت : فتاة يا عنترة ولا كفتاة ،،، تجرّأ عليها الحسن فألفاها خصبة المرعى فشدّ أطنابه فيها !!! ،،، بالغلبة ،،، بالغلبة والقهر يا عنترة حمل جمالها من هو مثلي ومثلك على ألا يُصَدِّقوا إلا به !!! .
    قال : آه ،،، زدني ، زدني .
    قلت : فتاة يا عنترة ولا كفتاة ،،، تسلّط عليها السحر فعجب أن فوجئ بأسحر منه حيث انتهت حدوده دونها !!! وهلَكَتْ عنه حُجّتُه .
    قال : ويح زبيبة ،،، ثم ماذا؟
    قلت : فتاة يا عنترة ولا كفتاة ،،، ذات شعر كَثّ جُفال[9]، سَبْط[10] مُغْدَودن[11] سُخَام[12]، يكاد المرء إن أحسّ البرد وجد الدفء فيه ، أو تعرّى ألفى فيه الستر واحتجب .
    قال : لا بُعْداً لها ، بل لغيرها ،،، هاه وماذا أيضاً ؟ .
    قلت : فتاة يا عنترة ولا كفتاة ،،، إن تبسّمَت تجلّى الشَّنَبُ[13]كلؤلؤ نُوْدِي به على الجوهر ملكا حتى أناخ الحُسن والتنضيد معا ، وأسْجَد السحر تواضعا .
    قال : قاتل الله وصفك ، حسبك الآن .
    قلت : فتاة يا عنترة ولا كفتاة ،،، ذات كَحَل من غير كُحْل ، ذات نّجَل يعانده حَوَر ، ذات بَرَج يزاحمه دَعَج .
    قال عنترة وقد اضطربت نفسه : قلت لك حسبك ،،، ثم وضع يديه على رأسه وتلفّظ قائلا : أوّاه من الحسن إن تبدّى ،،، وتحرّم عليّ نيله فأبلى .
    لكأنك يا حُسَيْن تصف عبلة بعلاماتها وشياتها[14].
    قلت : قد تكون صاحبتنا عبلة البدن مع الحسن والإعتدال ،،، ولكنها ليست كعبلة ! .
    قال : كيف؟
    قلت : أما حبيبتك عبلة فهي عبلة بكامل معنى العبلة ، ولربما أشبه صدرها حوصلة الدجاجة إذا امتلأت بالطعام والحَب ،،، وأشبهت عجيزتها ذيلها في الإنتصاب ! .
    قال باستنكار : ما هذا ؟؟؟ ومن قال ذلك ؟
    قلت : أنت يا عنترة من قال ذلك ! .
    قال : أنا !!!!!!!!! والله إنك لتهذي ! وإنك لتَهْرِف بما لا تعرف .
    قلت : هل نسيتَ قولك فيها :
    تُريكَ إذا ولّت سناما وكاهلا **** وإن أقْبلَت صدراً لها يترجرج .
    قال : عنترة بعد أن تبسّم : والله إنكم لتعتريكم عُجْمة أحسنها قبيح ،،، وفقه في الكلام شحيح !!! ،،، يا هذا : والله ما عنيت بهذا البيت عبلة ، بل الناقة التي امتطتها عبلة وغادرتني وقد شطّ عني مزارها .
    ما لك ،،، هل شطّ عنك قولي :
    ديار لذات الخِدر عبلة أصبحت **** بها الأربعُ الهوجُ العواصفُ ترهِجُ .
    قلت : يا أبا المغلّس ،،، والله إني لأعلم ما تعنيه ، غير أني أردت استيضاح الأمر منك لتشهره على أعين الأشهاد ، وذلك أن بعضهم ألصقوا هذا الوصف بعبلة لا بالناقة .
    ضحك الفارس البطل وقال : كِدت تشق كبدي بقولك ،،، ثم سكت هنيهة وقال : أبطأت صاحبتك ! ما الأمر؟
    قلت : لعلها ،،، وما كدت أنتهي من الكلمة ، حتى تَشَبّح لنا آت غير بعيد يخطو بأقدام على تراب محسود .
    فقلت لعنترة : إنها هي .
    ثم جَعَلتْ تقترب ،،، تارة تمسك عباءتها وأخرى ترسلها ،،، وتميل لليمين تارة فتمدّ يمينها اتقاء الوقوع فتتزن ،،، غير أنها تميل لليسار ، فترسل عباءتها لتمدّ يسارها ،،، كأن الأرض تميد بها ، تداعبها وتعابثها .
    ولعلها كابدت وناضلت فَتَصَوّرَتْ كزائرٍ ذو شفق،،، فوَقَفَتْ وأرْسَلَتْ نظرة ذي عَلَق،،، فعشقها الخجل وعشقته ،،، واسْتَحَر بها وقرّبته ،،، حتى همّتْ أن تُقْفِل راجعة أدراجها ،،، فأدْبرت كنازِحٍ ذو دلال،،، وقد ضرَبَت عباءتها على رأسها .
    فقلتُ لها متمثلا قول الراجز :
    ليسَ الحجابُ بِمُقْصٍ عنك لي أملاً **** إنّ السماءَ تُرَجَّى حين تحتجب .
    فألزمها حُسْن النداء الوقوف فوقفتْ ، والتفَتَتْ برأسها وهي مدبرة بأناة وتَؤدّة حتى التصق لِحْيها ( أي الحنك الأسفل ) بكتفها الأيسر ،،، والله لو أن سلطانا كان قد حكم على مجرم بالقتل ، ثم رأى تلك الالتفاتة مع الإدبار لأنفل المحكوم عليه عفواً لا رجعة فيه .
    ثم رشدتْ الساحرة ، وعادت تستدير كغزالة وجدت ريح أمها ، فأقبلتْ تتأوّد في عباءةٍ جَنّت على ما احتوته من اللاّذ والحرير ،،، يسبقها عبقها ، ثم أٌقرأتنا السلام وجلست جلوس الملكة ، ذات الجمال البارع الذي لا يمكر الحيلة إلا بالدلّ .
    آه ،،، رشدتْ هي وندّ عني وعن عنترة العقل والحِجَا ،،، وإن عنترة من الفاتكين الأشداء ذوي البأس بعقل حاضر، فكيف به بلا عقل؟!!! .
    ثم حملقتُ بها ،،، فالتفتَتْ إليّ وقالت : ما بك ؟
    ضحكت وقلت : أتدبّر أمر هذا الجمال ، أنظر كيف أصنع في مُدافعته ! .
    ثم قلت : لا تلومي رجلاً ولومي أنثى أحالت النظر إلى لصٍّ جريء ،،، ثم ألا يكفي أن ماري ديفيد عندما حضرتنا كانت ضاربة النقاب ؟ أنتِ أيضا يا مينا ؟
    قالت : أما النقاب فبيني وبينه عشق ضرب في الجذور .
    قال عنترة : لا ضير ، ولكن كيف أتحقق من وصفك الذي وصفتها به يا حسين ؟ وقد قلتَ آنفا ( فتاة ولا كفتاة ،،، وذكرت العين والمبسم والشعر ) حتى أعدتني إلى عبلة !!! كيف ؟
    قلت : دونكَ مينا فاعرض عليها ما تريد .
    ثم ضحك البطل بعد أن غمز بحاجبه وقال : كيف السبيل ؟
    قلتُ له : دعك من هذا ،،، يكفينا اللِّفام[15]، وحسبك وطف أشفارها .
    قال : وطف أشفارها !!! ،،، والله إنهن إن أطبقن لجعلن يقتلن ويقتلن ، حتى تسيخ بنا الأرض ، فنصير تحت سبع أرضين .
    قلت لمينا بصوت لا يسمعه عنترة : أصدقكِ القول ،،، لقد نطق بالحق هذا الفحل ! ، ولا أكذبكِ أنا أضعف منه ،،، فاتّقِ الله فينا ، إما أن تُحيلي النقاب من لفام إلى لثام[16] فتريحينا أو إلى وَصْوَصة[17] فتحرمينا؟
    ضَحِكَتْ مصرّة على ذلك إصرارها ،،، .
    فقلت : لا ضير ، يبدو أنه قُضيَ الأمر ، فقد قطعت أمرا ولن تأخذها فينا رحمة .
    ثم نظرت إلى عنترة وقلت له : إن جليستنا تستحق أن تحييها بشعر جميل من نظمك ، فماذا أعددت لها ؟
    قال عنترة على الكامل :
    رَمَتْ الفؤاد مليحة عـــذراءُ **** بسهام لَحْظٍ ما لهـنّ دواءُ
    مرّت أوان العيد بين نواهــدٍ **** مثل الشموس لِحاظهنّ ظُباءُ[18]
    فاغتالني سقمي الذي في باطني **** أخفيته ، فأذاعه الإخفــاء
    خَطَرَت فقلتُ قضيب بانٍ حرّكت **** أعطافه بعد الجَنوب صَبـاءُ
    ورَنَتْ فقلتُ غزالةٌ مذعـورة **** قد راعها وسط الفلاة بــلاءُ
    وبَدَتْ فقلت البدر ليلة تِمِّــه **** قد قلّدته نجومها الجــوزاءُ
    بَسَمَت فَلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرها **** فيه لِدَاء العاشقين شفـــاءُ
    إن كان يسعدني الزمان فإنني **** في هِمّتي بصروفـــه إزراءُ
    ــــــــــــــ
    الله ،،، الله
    الله ،،، الله ،،، لم يخطئ الوصف هذا الفحل يا مينا بوصفه إيّاكِ وأنت تكابدين السير على الكثيب كما وصفتكِ آنفا ، والله لكأني أسمع نثري أنا بشعره هو .
    قالت مفتخرة بما هي أهل له : نعم ،،، أنا فتاة ولا كفتاة ، وليس كمثلي إلا البدر وما سما، ولا دون .
    ولكن قل لي يا عنترة : أوَلستَ قلت هذا النظم في عبلة؟
    قال عنترة : بلى ،،، غير أنها قيلت في زمانها ، وأنتِ الساعة شاهدة فأهديتكِ إياها .
    قلت لها : ما هذا السؤال لأبي المُغلّس ؟ ألا يكفي أنه أبدل الأقرب بالأبعد ، وآثر الحاضر على الغابر ؟ وقال فيكِ قولا ما كان ليقال إلا للتي فطرت قلبه ؟ .
    قالت : أصبت ،،، غير أنه سؤال ، ولا ضير .
    ثم لكأنها تاوّهت من ألم أحسّته في قدمها،،، فخلعت نعليها لِتُبَرِّد أقدامها .
    وما انقضى خلع النعلين حتى انبلج بياض كأنه اللبن !!! .
    فنظر عنترة نظرة مبهور تلقاء القدم وقال : ما هذا ،،، فَلَوْذَجْ[19] !!! .
    يا حسين : كيف امرأة خُلِقت من الفلوذج ؟ وصارت بشراً يُرى من خلال جلدها ولحمها العِرق ، ويحسّه العقل دون جسّه ؟
    قلت : والله لا أدري ،،، والله لا أدري يا عنترة .
    ثم أدرتُ بقدمها الطَرْف وقلت لنفسي والمَعْنِي هي : لقد عَدَنَ[20] فيها الحُسن والبياض ، حتى رجع واسْتَوْدَع فيها ، وحتى قال : لن أبرح .
    فقلت لعنترة بلغة الإقتصاد : يبدو أن جليستنا احتكرت سوق الحسن والجَمال ، وعليه يجب إغراق مجلسنا هذا بِحِسَانٍ أُخَر ، لِنُرْخِص هذا الجمال .
    فحملقتْ بي بتعجّب ! ،،، فقلت لها : ما لكِ ،،، إني أحذو حذو الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،،، إذ كتب إليه ابن عباس رضي الله عنهما : أن غلا الزَبيب .
    فكتب إليه الخليفة وكان من الساسة الذين يشار إليهم بالبنان : أن أرْخِصوه بالتمر .
    وهذه إشارة إلى مقاطعة تجار الزبيب الذين احتكروا سوقه فرفعوا سعره وقتذاك ، ودعوة لترويج سوق التمر ، وهو هو قانون العرض والطلب ،،، وهي هي حرب المقاطعة الاقتصادية لتجار الزبيب ،،، المقاطعة يا مينا التي قمنا بها بالأمس تجاه الدِنْمارك وعلى وجَل ، وحسبنا أننا عملنا عملا !!! .
    قالت مبتسمة : إذن أنت وغُرابك هذا تنويان مقاطعتي ، تمشيا مع سياسة الخليفة ؟ تركت محاسن الرجل كلها وأخذت وجهته الاقتصادية فقط يا حسين ؟
    ضحكتُ أنا وعنترة كثيرا ثم قلت لها : أولا : لسنا نريد مقاطعتكِ ،،، ثانيا : أما هذا فما استزرته إلا تلبية لتطئي بساطنا بقدميكِ ،،، ثالثا : أنا قلت يجب إغراق مجلسنا بالحسان .
    قالت : وأين الحسان ؟ وكيف وأنّى ؟
    قلت : إنهن كثُر ،،، كمارية مثلا ،،، وأخرى لن أذكر اسمها دون رُخصة .
    قالت : ماريا ،،، وكيف ستأتي الساعة؟
    قلت لها : أترين ذلك الحصان الأشهب الجميل ؟
    قالت : نعم ،،، وأظنه حصان عنترة .
    قلت لها : قد جانبت الصواب أيتها الحسناء ،،، ليس حصان عنترة ! .
    قالت : لا تقل لي إنه حصانك أنت .
    قلت : لا ،،، ليس حصاني ،،، ولا هو لأحد ! .
    قالت : ماذا تقصد يا هذا ؟
    قلت : إنه من الجن !!! جاء بعد وصول عنترة بفترة ليست وجيزة ، واسمه سُحَيْر .
    سنرسله وراء مارية الآن ،،، وسيحضرها قبل أن تَزْفري ما بصدرك من هواء ، كأنه عِفريت سليمان ! .
    قالت : اتق الله ،،، تريد أن تفطر قلب المسكينة جزعا ؟
    قلت لها : لا ،،، لا أريد أن أخيفها ،،، فقط نخطفها كلمح البصر ، ولن تفيق إلا وهي بين أظهرنا ،،، إن شئت أن تؤنسي وحشتها ، أركبناك متنه لتكوني رسولتنا إليها وتشدي من أزرها ،،، ما قولكِ ؟
    قالت : هِهْ ،،، لا سحير ولا غيره ،،، لم يبق إلا الجن لأركب أحصنتهم ! .
    قلت لها : إنه وديع لعوب .
    قالت : إقترب مني !!! .
    فاقتربت ثم قلت : ماذا ؟ ،،،،،، قالت : ماذا قلت؟
    قلت : ويحكِ مينا ،،، تريدين شمّ رائحتي إن كنتُ أشرب الخمر ؟ والله لم أشربها قط ولا أعرف لها طعما .
    قالت : علامك تهذي إذن ؟ ،،،، قال عنترة : دعكما مما تفيضان فيه ، وليذهب سحير لينجز مهمته ،،، ثم أشار للحصان أن انطلق ،،، فانطلق كالبرق يتبعه الرعد .
    وما كاد يختفي حتى رجع وعلى صهوته مارية الرائعة ، فترجّلت على قدمين فوقهما بَدَن وافر ،،، بالقبح كافر ،،، للعالمين ساحر .
    فقلت : ها قد وصلت من اختلست شطر الحُسن .
    ثم اقتربت وسلّمت وجلست تلك الجلسة التي والتي كانت بحضرة الملك .
    ويحي ووبح صاحبي ،،، لقد تألّب علينا ألَق ما تألّق من قبل ،،، واستوى على أثافيه الثلاثة ( فم يرى من خلال الغشاوة كعُنّاب تباعد عن متناول اليد ،،، وعين أبت إلا السفور إذ مردت تمرد الربيع على الفصول ،،، وجسد روّج شِرعة الطلاق للنساء ، فبتن يعقلن الأزواج عقل البعير ) .
    ثم رأت مينا ولم تكن رأتها من قبل ، فسألتني : من هذه الفتاة يا حسين؟
    قلت : إنها مينا يا مارية .
    صرخت فرحا حتى كادت تطير ! ،،، ثم انهالت على مينا معانقة وتقبيلا ، حتى ظننا أنهن اقتتلتا اقتتال قطط صغيرة غلب عليهن الإلف والدّعة ، وحتى أوشك نقاب كل منهن أن يسقط ،،، غير أنهن أدبرن على الفور وقُمْن بإصلاحه ،،، ولقد ذكرت المُتَجَرِّدة زوجة الملك النعمان عندما سقط النصيف ولم ترد إسقاطه كما قال النابغة .
    ثم التفتتْ إليّ مارية ودعت لي بطول العمر أن كنتُ السبب في هذا اللقاء الحميم .
    وفجأة بدأ يضرب عنترة على فخذيه براحتيه ويقول : فلوذج آخر ، فلوذج آخر يا حسين تأتيني به ! ماذا أصنع ؟ .
    نظرت إليهن وقد راعني من الأيدِ أربعة ومن الأقدام أربعة أخرى ، كلهن كما قال الفحل عنترة ،،، ولا حيلة لنا إلا النظر وحسب ،،، وكأيِّن من نظرة عَتَتْ عن رشاد عقلها ،،، وَيْكأنّها لا تشبع المُقَل .
    ولقد ذكرت الملكة الأولى ( الفيروز ) عندما أطربت بغنائها : ( يا عاقد الحاجبين،،، على الجبين اللجين،،،،،،،،،، إن كنت تقصد قتلي،،، قتلتني مرتين ) .
    قال عنترة : بربكنّ ماذا تأكلن حتى صرتن هكذا ؟ يُسَحّ عنكن البياض سَحّاً !!! .
    قلت : صبراً ،،، ذكرتني بالأكل يا عنترة ،،،، أين الطعام الذي طلبته منكِ يا مينا؟
    قالت : نسيت والله أن أذكره ،،، قلت : كيف يكون الوفاء بالشرط إذن؟
    فتشفعّت مارية وقالت : ستفي به في اللقاء القادم إن شاء الله .
    قلت لمارية : لن أصالح إلا بحقّي ،،، قالت : أمِن أجل لُقَيْمات يا حسين؟
    قلت لهن : والله إن النفس لتشتهي ذلك الذي يقال له ( مكبوس ) ،،، .
    هل سمعتنّ بالغول ؟ قلن : نعم ، سمعنا به .
    قلت : هل رأيتنّ الغول ؟ قلن : لا ، لم نره .،، قلت : كذلك المكبوس ،،، أسمع به ولا أراه.
    فرقّت لي مينا وقالت : لا بأس ،،، لا بأس ، لك ذلك في المرة القادمة .
    ثم لما رأتني كاسف البال قالت والرحمة بعينيها : ماذا تريد مني أن أفعل الآن بهذه الصحراء؟ نظرتُ إليها وقلت : دونكِ سُحَير .
    قالت بصوت مرتفع وقد غادرتها الرحمة : لا،،، وألف لا .
    قلت باستغراب : مينا !!! إن الرقّة تتحدّر من لدن الرقيقة كماء منهمر ، فأين ذَهَبَت ؟
    قالت وهي تهز وتلوح بسبابتها يمينا ويسارا : أما إذا حضر سحير ، فلا رقة تلتمسها ،،، وأوقفت سبابتها وأشارت بها نحوي .
    فَسَهِمْتُ متأملا الموقف ،،، حتى قالت بعد أن أصْفَرَتْ بفمها : ما بك ؟
    قلت : لا شيء ،،، غير أن هذا الحدث مرّ بي من قبل ،،، أين ؟ ،،، أين يا حسين ؟ ،،، آه ذكرته ، عندما هددتني بتجييش الجيوش لمحاربتي مناصرة لهيفاء وتضامنا معها ،،، أقلتُ الحق يا مينا ، أم أني لم أصِبْ من الحق مقطعا ؟ ضَحِكتْ وقالت : بل حزّت شَفْرَتُك مفصل الحق .
    قلت : أرِني يدكِ يا مينا أنظر إليها ؟ ،،، فَفَعَلت ،،، .
    ــــــــــــــ
    يتبع الجزء الثاني
    حسين الطلاع
    12/أكتوبر/ 2008
    المملكة العربية السعودية – الجبيل
    ــــــــــــــــــــــ
    [1] : اليباب منتهى البلى في الخرائب

    [2] : أبو المغلّس كنية عنترة بن شداد

    [3] : يقال جاء بأم الربيق على أريق ،،، مثل عربي يضرب في عظم الدواهي والمصائب .

    [4] : جمع رئم

    [5] : المقصود مينا .

    [6] : الحلاحل هو السيد الكريم رفيع الشأن .

    [7] : القدموس هو المجد الأصيل القديم .

    [8] : الحماليق هي العيون حال التعجب من هول ما .

    [9] : الجفال هو الشعر الكثير المجتمع .

    [10] : السبط هو الطويل المسترسل .

    [11] : منتهى النعومة .

    [12] : السخام هو الحسن الليّن .

    [13] : الشنب هو رقّة الأسنان واستواؤها وحسنها .

    [14] : صفاتها .

    [15] : اللفام هو النقاب إذا كان على طرف الأنف .

    [16] : اللثام هو النقاب إذا كان على الشفة .

    [17] : الوصوصة هو النقاب إذا كان قريبا من العينفوق المحجر .

    [18] : الظُباء جمع ظُبّة وهي حدّ السيف .

    [19] : الفلوذج حلوى بيضاء لينة كانت لأكاسرةالفرس ، تعرف في بلاد الشام بالمثهلبية ، وفي جزيرة العرب بالمَحلبية .

    [20] : عدن تعني أقام بلا ظعن ، ومنه قوله تعالى ( جنّاتُ عَدْنٍ ) أي جنات إقامة مستديمة

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل / حسين الطلاع

    ما أروعكَ و أنت تنسجُ هذه الحوارية المبتكرة , التي تدّل على عمق ثقافتكَ أولا , و علاقتكَ الحميمية مع تراثنا العربي الجميل , و التي تتجلى واضحة للعيان في كل نص من نصوصك الزاخرة .
    راقني الحوار جدا , و أكثر من ذلك كشف بعض المغالطات التفسيرية التي أخذنا بها و اعتقدنا بصحتها , ناهيك عن ذلك المزج البديع في اللغة باستخدام المصطلحات الحداثية بما يوافق الفكرة و يتماشى مع المعنى .

    حقيقة نصك كقيمة جمالية متألق جدا , و كقيمة لغوية مفيد جدا , شخصيا استفدتُ منه الكثير

    دمت بهذه الروعة أخي

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية مينا عبد الله قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    الدولة : حيث تكون روحي
    العمر : 42
    المشاركات : 2,091
    المواضيع : 110
    الردود : 2091
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    أي كلمات واي جمل .. لاتليق بروعة الادب هذا ؟!

    وان كنت احد ابطال هذه القصة الخيالية الواسعة ... فهو شرف لي ما بعده شرف

    وكيف لا ؟؟

    والقصة من سرد وخيال اديب مبدع واخ كريم وصديق عزيز ، والضيف هو عنترة ، وصديقتي ماري .... وسحير

    أما سحير هذا .. وهو من الجن ... فلا اخاغه ولا اخشاه .. بل استعبده وآسره بقولي " بسم الله الرحمن الرحيم " ، لست ممن يخشون الجن ابدا وقد غرفتهم منذ طفولتي الاولى وانا اسمع حكاياهم واتابع تحركاتهم


    خالص ودي واحترامي

    وكبير امتناني لاني هنا

    مينا
    أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.26

    افتراضي

    يا لك من أديب مبدع مدهش كبير!

    أداء مبهر وألق عجيب لحرف كالدر المنثور.

    دمت متألقا مبدعا!

    أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.



    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Jan 2008
    المشاركات : 2,240
    المواضيع : 61
    الردود : 2240
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    الأستاذ حسين الطلاع

    افاض الاساتذة الكرام قبلي بحق حرفك..وأنت جدير بالقول

    فما عساني أن اقول...؟

    رائع..واكثر

    سلمت ..وسلم مددك


    محبتي ..واحترامي
    الفكـرة ُ..العالـية ُ..
    لا تحتاجُ.. لصوتٍٍ..عـال ٍ..

  6. #6
    الصورة الرمزية حسام محمد حسين شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    الدولة : مصر
    العمر : 42
    المشاركات : 551
    المواضيع : 30
    الردود : 551
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    لا فُضَ فاك ايها المُبدِع
    وما من كاتب الا سيفني ويبقي الدهر ما كتبت يداه
    فلا تكتب بخطك غير شئٍ يسرك في القيامة ان تراه

المواضيع المتشابهه

  1. بيني وبين عنترة ( الجزء الثاني )
    بواسطة حسين الطلاع في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18-05-2009, 10:19 PM
  2. بيني وبين سعادتي لقياكِ
    بواسطة مصطفى عمار في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 06:14 PM
  3. دعوة للنزال بيني وبين شيخ من شيوخ شعراء الواحة ألا وهو الأستاذ محمد الحريري
    بواسطة صابرين الصباغ في المنتدى حَلَبَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةُ
    مشاركات: 78
    آخر مشاركة: 29-01-2007, 06:29 PM
  4. مساجلة بيني وبين تلميذي أمين ...
    بواسطة مجذوب العيد المشراوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 09-07-2006, 07:46 PM
  5. فراق بيني وبين نفسي
    بواسطة أحمد الردادي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 08-02-2006, 02:00 PM