مدخل /
كرهتٌ عيش النفاقِ ** كرهتُ عيش الدجل
كرهتُ عيش السهول ** أريد عيش الجبل
أماه قلبي ضعيف ** دنياي صــــارت ملل
أماه أرجـــو جهــادا ** لاتحرميـــني الأمــــل
أمـــــاه لاتعذليـــني ** ماذا يفيــــــد العـــذل ؟
أمــــاه لاتمنعيــــني ** بالـــدمـــع أو بــالقبــــــل
هاهو الفجرُ يلوحُ على جبل نطق بالشجاعة ..
كم من القصصِ خبَّأ..
وكم من جثثِ الأبطال وارى ..
وكم من الدروسِ والعظاتِ وشمها على جبينِه النائه ..
قدمتُ إليكَ ياأُحُدْ ، قدمتُ إليكَ أيا أيُّها الجبل العظيم لأرى سناء السلفِ وعلَفَ الخَلَفِ
أتيتكَ لأرى في لُبِّ ساحتِكَ الرجل صاحب العمامةِ الحمراء يخفقُ طرفيها خلفه بينما يمشي متبخترا على جواده بين الصفين رافعًا سيفَ الحقِّ يضْرِبْ بهِ أعداءَ الله حتى ينحنون ، ويفلِقُ بهِ هامَ المشركينْ وينشدُ مرتجِلاً :
أنا الذي عاهدني خليلي ** ونحنُ بالسَّفْحِ لدى النَّخيلِ
ألاَّ أقوم الدهرَ في الكيولِ ** أَضْرِبْ بسيفِ الله والرسولِ
وفي قمتِكَ ياأُحُد سلسلة متكاتفةٌ من الرُّماةِ كدرع لحماية ظهور أخوانهم المسلمين
وفي أحدِ جوانبِ ساحتك تهتزُّ ذرَّاتِ الهواءِ من قوة ضربِ نساءِ قريشٍ على الدفِّ يستنهضن به همم رجالهن ،فهاهو صوتُ هندُ ابنتَ عتبة يعتليهنَّ بحماس :
ويْهًا بني عبد الدار ** ويْهًا حُمَاةَ الأدبار
ضرْبًا بكُلِّ بتَّــــار
وهاهو أبو سفيانٍ يصرخُ : الحربُ سجالٌ، أُحُدٌ بِبَدْرٍ ..
أُعْلُ هُبَل ..
أُعْلُ هُبَلْ ..
ظنَّ أنَّ حربَ المسلمين تقومُ على وغَرِ الصدورِ والعصبيةِ التي أَلِفوها في الجاهليَّةِ ، ولم يعْلَم أنَّ دافع المسلمين أسْمى وأَرْقَى منْ ذلك .
لم يصمُتِ المسلمين بل أجابوه بماعلمهم به قائدهم صلى الله عليه وسلم ، فكان يردُّ عليه عمر ابن الخطابِ رضي الله عنه كالشوكة في حلقه وبعزَّةٍ متناهية : الله أعلى وأجلَّ
لاسواء .. قتلانا في الجنـــّةِ وقتلاكمْ في النــَّارِ .
وتهيجُ الصَّافناتُ ومن خَلْفِهَا يربدُّ العصفُ الأغبَرْ ..
وبرقُ النِّبَالِ يغْضَبْ ..
وصواعقُ السيفِ تُُجْلِبْ ..
ودمُ القتلى فـــــار وأبَّبْ
ودُمَى الكُفْرِ تطيحُ وتُرْعَبْ
وبعْدَ تلاطُمِ الأنْوارِ المشِعَّةِ وتراقُصِ الخيولِ في مسرحِ التضحيةِ بثباتٍ ورباطةِ جأْشٍ
إذْ بالظلامِ يُعتِّمْ ..
ويَقَعُ الخَلَلُ بزلَّةٍ من الرماةِ الذين أغواهمُ النصرُ المؤزَّرْ، وشرعوا بجمع الغنائم في لهفَةٍ وتسرُّعٍ ، فنجَمَ عن عصيانِ القائدِ تفاقم نيرانِ الشركِ وأوقدَت انتقامهم فلاترى في وسط هذا الغسق بعدَ الانتفاضةِ والصَّخَبِ إلاَّ هدوءًا أبكمًا ، وجوًّا معكَّرًا .
واهتبلَ الأعداءُ الفرصة ، وغدا المسلمين كاللحم في قصعةٍ ينهشها مشركي قريش ويمزقونها من كلِّ جانبٍ .
ووقعَ المسلمونَ في مأْزِقٍ عضُوضٍ ..
وفشى بينَ الأفواهِ ، وتداولتِ الألسُنَ أنَّ رسولَ الله قُتِلَ .
تضعضعتِ الآمالُ ، وبكَتِ الأماني ..
وتمزَّقتْ أستارُ الصمودِ المتبقيةُ ..
وتهدَّمتِ الثقةُ في القلوبِ ، وألقى المسلمين أيديَهُمْ في انكسَارٍ
إنَّ الجنديةَ قائمَةٌ على الطَّاعَةِ التامَّةِ ليقف أحزاب الأمَّة صفًّا واحدًا وجبهةً واحدةً ، يقمعون كل بلبلة ، ويخمدون كلَّ تمرُّدٍ .
وهنا كان تمحيص الله للمنافق من المؤمن الحقَّ المخلص ، بل يتضح طبقاتُ الإيمانِ بذاتها بين المؤمنين عندَ اشتدادِ الرزيَّة ، واقترابِ المنيَّةِ .
( منكم من يريدُ الدنيا ومنكم من يريدُ الآخرةِ ثمَّ صرفَكُمْ عنهم ليبْتَلِيَكُمْ *ولقدْ عفا عنكمْ والله ذو فضْلٍ على المؤمنين)
ماذا ننتظرُ بعد موتِ القائد ؟!
أنبقى مجندلين ، جاثمي الأفئدة ،بكَّائين كالنساء؟
كلاَّ ورب محمد فإن هو مات فالله حيٌّ لايموت ، فلنقتفي أثره ، ولنتبع خطاه ، ولنسر حيث سار ، ونجدِّد دينه المكتمل ، ونخض الصعاب في طريق الموت في سبيل الله
مرَّ أنسُ ابنُ النَّضْرِ ورآهم حزانى فقال : ماتنتظرون ؟!
قالوا: قُتْلَ رسولُ الله .
قال: وماتصنعون بالحياةِ بعده ..!
فيااااخيلَ الله اركبي ، وياراية الله ارتفعي
في سبيلِ الله نمضي ** نبتغي رفع اللواءْ
فليَعُدْ للدِّينِ مجده ** وليعدْ للدينِ عزُّه
ولتُرَقْ منَّا الدمـــاءْ
من سواكمْ ياشبَابُ ** إنْ دَعَتْ يومـٍا صعابُ
أنتمُ الآمالُ تُرْجى ** أنتمُ الأُسْدُ الغضـــــــابُ
ولتُرَقْ منَّا الدمــــاءْ
تجمَّع النجومُ حولَ فَلْقَةِ القمرِ الذي إن رأيتَهُ ترى جمالُ الدنيا بأسرها ووضاءتِها صلى الله عليه وسلم ، ينافحون عنه مذيقين المشركين زلازلا وويلات ..
فسعد يجالدهم حتى يجهضهم عنهُ ..
وطلحة الأنصاري ترَّس صدرَهُ ليقعَ النُّبلَ عليه فلا يتحرَّكُ
وحمزَةُ ليثٌ يداهمهم ..
وعليٌّ يرفع الراية ويُزعزعهم ..
حتى إذا أرهقهم المشركون وأصابهمُ النعاسُ تجلَّدوا ووقفوا في بسالةٍ نادرةٍ ورجولةٍ فارعة
وهذا عبدالله ابنُ جحشٍ قال في نفسِ اليوم : اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدوُّ غدا فيقاتلوا ثمَّ يبقروا بطني ويُجَدِّعوا أنفي وأذني ، ثمَّ تسألني .. فيمَ ذاك ؟
فأقولُ فيكَ .
الله أكبر ..
أولئك أتباعُ النبيِّ وحزبهِ ** فلولاهُمُ ماكان في الأرض مسلمُ
ولولاهم كانت ظلاما بأصلها ** ولكن هم فيها بدورٌ وأنجمُ
فيالائمي في حُبِّهمْ وولائهمْ ** تأمَّلْ هداكَ الله من هو ألــــومُ
بأيِّ كتابٍ أم بأيِّ حُجَّةٍ ** ترى حبهم عــــارٌ عليَّ وتنقــمُ
ومالعارُ إلاَّ بُغْضُهم واجتنابهم ** وحبُّ عداهم ذاك عارٌ ومأثمُ
فياااارياحُ لاتُسْفري ذكرى الأبطالِ ..
ويااارماحُ ارتكزي على أجداثِ الكفر ..
وياجنود الحقِّ اصمدوا ، وواصلوا رحلة الشمسِ المشرقةِ والدينِ الجديد ..
فإنَّ رياحَ الجنَّــــــةِ هبـــَّــــــــت ..
هبـــت ..
هبت ..
ياأحد ..
إنَّ كل ضارَّةٍ نافعة ..
وربما تصحُّ الأجسامُ بالعلل
ولم ولن تكن هزيمة للمسلمين قطُّ فيك ، إنما هو أدب ودرس وعبرة لأجيال الأمة في معاركهم
فالسماء لاتمطرُ ذهبًا ولافضة وكذلك لاتمطرُ انتصارا دون الاستعداد بالعتاد والرجال
إنَّ في أُحُدٍ سياسةٌ بارعةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم فبعد أن ولَّى المشركين أدبارهم لحقهم وجنده ليُظهر لهم أنَّ المسلمين في قوةٍّ متحملين المسؤولية المخوَّلة إليهم مهما عانوا من الحصول على لقمة العيش وانعدام الكسوة ..
فقد سمَّى ماجرى بينه وبين المشركين في الحديبية فتحا ، وبعد استشهاد القواد الثلاثة في مؤتة سماه نصرا أنقذ الله به المسلمين ، وهكذا ترتفع معنويات المسلمين .
وتجلدي للشامتين أريهمُ ** أني لريب الدهر لاأتضعضعُ
فمابالُ الهزيمة الروحيةِ تنوء بكلكها صدر الأمةِ الإسلاميةِ المهيضةِ الجناحِ ؟
مابالُ استقامتهم ارتكست ونور إيمانهم وكس ومجدهم انتكس ؟
سفسق الغرب بسوءه وتلقفه الجهلة من المسلمين فقادتهم التبعية العمياء للغازي الهازم ، أبدو ضعفهم للسفيطِ وخالوا أنَّ القوة المادية هي الأساسية ونسوا القوة الكبرى ألا وهي القوة الروحية الإيمانية التي ينفح عطرها من أجسادهم فيجسروا على التغلب لكل مشقة ، فلا عزة إلا بالإسلام .
فاستهان بهم الأعداء ولم يقيموا لهم وزنا واستغل الإعلام الفرصة لعرض فشلهم ووهنهم فاكتفى المسلمين بمايأتي به الأعداء استجداءا وتوقفوا عن التفكير والاختراع بلادة وغباء.
ركنوا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لتقضي مظالمهم وتنفذ مطالبهم وترد مغتصباتهم وتعيد حقوقهم فاطمأنوا على ممتلكاتهم ونسوا أنَّ من يتقاسم العسل مع الدبِّ له أصغر حصَّةٍ .
إنَّ بيارقك ياأمتي تتهاوى ،فلا تدعيها تقع في الهاوية ، فلنمسك بطرف الراية ولنسرع باذليِّ الأرواحِ ، هادميِّ قلعة الجُبْنِ والاتكال الحائلة بيننا وبين النصر
ارتفعي ياراية النصر ** وارتقبي إشراقة الفجر
فأمة الخيـــر تنادينــــا ** بأسرع السيــر ملبينــــا
ارتفعي ، ارتفعي ، ارتفعي ، ارتفعي
ارتفعي على الخنا الشر ** ورفرفي في السهل والوعر
كانت لنا الدنيا أخي حينا ** كانت إلى العليا مساعينا
ارتفعي ، ارتفعي ، ارتفعي ،ارتفعي
مخرج / (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)
بقلم / براءة الجودي
(النظرة الثاقبة )
دعواتكم