إليك فقط وما كنت راسمة حرفا إلا إليك, ولا كاتبة عبارة إلا لك .
وما كان انجبار القلوب على بعضها عنوة ولا بإكراه, بل هي الأُلفة السارية في الروح , الدابة فيها دبيب الحياة إلى البرعم الصغير,الطالع على وجه الأرض, فيكبر البرعم, ونظره فوق ,يرمق قطرة ماء من روح حِبه, حتى إذا نزلت هذه القطرة اهتز البرعم وابتهج واشتد على سوقه فترى ثمره أينع ليحصده الآخر, وهنا يكون الأمر ,فهل حصاد الأرواح أمر هين, أم أنه يحتاج لحراسة وحدس ؟
وتكون مهارة الحبيب هنا لاستبقاء محبوبه, فإما أن يزداد هذا البرعم نموا ليصبح شجرة يستفيء بها , أو يموت خنقا بين يديه, وإن لم يشعر فيفقده من حيث أراد أن يملكه, إما بدلال وأما بإهمال .
لذلك سخرت حروفي لك تسخيرا أتى طواعية من ذات النفس لا بإجبار لها , فاحتكار حروفي وقبلها قلبي كان أمرا مفروغا لدى جنابكم.
هي حروفي تفلتت من بين أصابعي لك أنت, يا من اتسعت معانيك فضاقت كلماتي عن وصفك , فلم أجد في حروف الأبجدية كلها ذات الثمانية والعشرين حرفا سِعة .
كلما يممت نحوك لأكتب وجدت جديدا كان عليّ أن ألمحهُ ليسجله قلمي , ولذلك كلما هممت في البداية خانتني المقدمة ؛ففكرت أن أبدأ من النهاية, فاتسعت المشكلة حيث إني وجدت فيكم نظرية الكون المفتوح الذي يزداد سعة.
لم يعلم قلمي يامُنى الروح أين يولي بسنانه.
فذكرت الوسط ,وهيهات أن يكون ذلك؛لأن حالك -يامالك القلب- ليس وسطا ,بل حال من عانق الهمم ,و بات على القمم .
فلا الوسطية بثوب لك .
بضاعة قلمي مزجاة ,وترنيمة حرفي فقدت الجاه , يا جاه العلو أنت, وسموا للسمو أنت .
لم يبصر القلب سوى نوركم , وما خسرت أحدا حين تقوقعت عليكم, وماربحت شيئا إلا حين فزت بكم ,فما أعظم البيع ,وما أنفع الشراء!
مؤشر حبكم في ارتفاع لا نزو ل , سبحان من وهبكم الثبات ياأهل الثبات على المبدأ.
فأنتَ آية وجب للعصاة أن يتأملوك؛ ليتيقنوا من إبداع الله فيك؛ فيروا العظمة المصنوعة من العظيم, والجمال الآتي من رب الجمال .
فحيرت العاقل قبل الساذج من أن يرتقي مُرتقاك ,كلما حاول الصعود انكسرت عثرته أكثر, ليزداد الفرق فيصعب عليه الرقع ,وأي رقع وقد بات مثل خرقةٍ كلما حاولتَ رقعها تمزقت أكثر, لتتناسل خيوطها .
فليت ذاك الساذج البسيط يفهم قلة قدره ,وبساطة أمره ؛فينزاح لأنه بقدر ما حاول زاد العبء وازداد بهاؤك, فيخدمُك من حيث لا يشعر, كهادم بيته على رأسه ظانا منه أنه يصلحه.
قاتل الله الجهل!! .
وهل تكون الغياهب عند القمر إلا ذرة غبار ؟
والجبل عند التل إلا مجرد رمل وطار ؟
والزهرة ما أبعد ما بينها وبين الصبار ؟
وما علم هذا الساذج المسكين أن في القلب مضغة ,وُضِعتْ فيه بالفطرة, وروحا نزلتْ عليه ,فاستقرت فيه حبا نافس الطود العظيم.
فلاتكن -أيها المسكين- المُبتلى بعفن في عقله مثل وعلٍ حاول أن يدك جبلا؛ فأوهى قرنه , وما قيمة الوعل بلا قرن؟ والأسد بلا مخلب؟ والطائر بلاجناح؟
فانج ببعضك قبل أن يذهب كلك, وارضَ من الغنيمة بالإياب,قبل أن تحرقك الذلة فلا تُبقى منك إلا رمادا, اشتدت به الريح فذرأته في الفيافي , حتى يُفقدَ أثرك ,ويُدرسَ رسمك فتُفَوِت بذلك فرصة الإتعاظ على غيرك , وماذ اك إلا أن قلبا امتدت جذوره في حب من يهوى محالٌ أن يطرأ عليه التغير أو التبدل أو النظر إلى السوى.
وافهم أن كلمة (إليك ) ليست لك, بل لمن سما عليك, وارتفع عنك , أيها المُتقازم أمامه , فلملم ما استطعت من حملِكَ وارتحل إلى أرض تقبل غرسك.
واستيقن أيها المغبون أني لن ولن أكون رهنا لإشاراتك يوما, ولا سجينة نثرك دهرا ,فاستيئس فاليأس إحدى الراحتين .