ها هي الحكايات تنشر من جديد ، لتحكي عن ماضي استنزف مآقينا ودماءنا المهدورة على أبواب الصبر ، وغدر إمعات طويلي العمر ، وأصحاب الرذيلة وخنافس الظلام المجبولين على العهر والفجور وتضييع الأمانات .
ها هي الذكرى تعود وما زال أشباه الرجال يجرّون خيبة آمالهم الغارقة في وحل الخطيئة ، يحملون حمائم اسودت من هول الفجيعة والفضيحة ، وقد غطت رؤوسهم عباءات حرائر أغتصبت تحت راية الفحولة الكاذبة ليثبتوا لأسيادهم أن الرجولة الغائبة عنهم يستعاض عنها باهراق دم من أرّق أحلامهم .
ها هي أيامنا الراحلة قد عادت من جديد وما زلنا نبحث في معاجم الغرباء عن وصف دقيق لما هو أكبر من النكبة وأوسع من النكسة وأسفل من الفضيحة ، وأقوى من سياج الرّق الذي أحاط بسماسرة مخنثون يجرون خلف رعاة البقر ، يمتطون صهوة حمار لسان حاله يقول لهم ، مجبر أنا لا بطل .
ها هي الأيام تمضي لتقول إلى كل من يهمه الأمر: لا تنظروا إلى الوراء فالقادم أصعب والماضي سيبدو مزحة أمام كل جرى ، فانظروا يا رعاكم الله وتدبروا أمركم فالمياه شحيحة والنفط لا يصلح لغسل الموتى كما أنه لا يصلح أيضًا لغسل الخطايا ، لكن لا تخافوا فنحن سنتدبر طريقة أخرى لحل معضلة وجودكم وشقاءكم فاصبروا علينا كما صبرتم على أنفسكم .
ها هي الحكاية تكبر ، وثمة من يقول لنا أننا ما زلنا لم نفهم حقيقة كل ما جرى ويتساءل : هل يفهمون فعلاً ، هل يعرفون كل نوايانا وما نخطط له ، وهل فضيحة بحجم هذا الفضاء سيخفيها شرذمة من المرتزقة ينعقون فوق أزقة الفقراء بمزامير الشيطان.
ها هي الذكرى تعود وليؤكد معها مندوب الرذيلة الكبرى أن كل الملايين من أتباعه معكم فلا تخشوا شيئًا فنحن على العهد باقون ، فنطق بعدها كفرًا ، عبدًا أينما توجهه لا يأتي بخير وأهداه سيفًا ذهبيًا ورقص معه على جثة تاريخ أضاء ظلمات العالم ليثبت لسيده أسفه وندمه على جرائم حرب ارتكبها ثلة من الأولين .
ها هم يؤكدون أنهم على العهد باقون ، ومن نشوة فرحهم وفرط جهلهم يرقصون ، لكن من عاشوا هنا وماتوا هناك ما زالوا يوقعون بدمائهم ويثبتون أنهم ما زالوا صابرون ، وصامدون ، صامدون هنا باتجاه الجدار الأخير.