الدرب دائمة الحركة سواء مشيناها أم لا , سواء ازدحمت بمعمعة بطون الجوعى أم افرغها الضباب عن الراحلين ..
ومع هذا..! لعقليتنا الهيجلية ان تحتفل بغموضها الدافع للغور أكثر وبوضوحها الداعم للمضي نحو السير بأعبائه الشاملة لخصوصية الذات وشمولية الجمع بكامل مبادئها وخياراتها وحيثياتها وبمعدات سياقاتها
وسنبقى تجربة التجربة أي نسخة منسوخة من الظل , طبخة أعدت في مطبخ غربي على آنية شرقية والأواني تتنكر دوما للمحتوى بعد افراغها وكذا عقولنا التي تقتبس وتستنبط و لا تملك حتى حق التنبؤ باللاحق ولا نملك ورقة لمجرد استنتاج وان كانت محروقة بنار العجز , تلك الدروب التي سنخوض تجربة السير فيها لن تبحث عنا بين جموع الخطوات والمرايا لا تتذكر ملامحنا ولكن كتب التاريخ هي الشاهدة الوحيدة على أصابعنا . وللدرب علينا حق وهو ان نمنحها حقها , حق المسار في تقاطعها وتحاذيها في ترادفها وتباينها , بحمل معاولها وقراءة مسابحها , أحاول أن أهذب دوما مساري , ليس فقط كي يتكيف مع ضيق الدرب التي تنكشف لي شح مساحتها عندما أتجرعها قسرا ..
وإنما كي أحفظ تفاصليها الدقيقة فيما إذا عدت إليها ثانية في حالة جموح كبوة ما ..!
هل الخطأ في خطواتنا أم الخطأ في الريح التي تمزق السير وتغير دفة السفر بل تشتت الوجهة , لوجهتنا ميلان يعاكس ظلالها هل رأى أحدكم ظلالا متعددة لكائن واحد ؟
وهل وجد الظل قبل صاحبه ؟
لكني رأيت ..ظل بلا تكوين يترك بصماته في ملفات مجهولة ..
نحن نملك ذلك ..لا نملك فحوى كتاب الأمير وزج الاقتصاد بالسياسة حتى في اوهن محاولاتنا ولا نملك مفاتيح كل كتاب سمي بالعقد الاجتماعي لأن العقود لدينا مهترئة , وعندما حاولنا اعادة حساباتنا اخترقتنا سهام الريبة وكنا لها قبل ان نكون لنا حتى غرقنا بها تعطلت إبرة البوصلة وكذلك الوعي بالشيء , كلاهما قابل للعطب وكلاهما بحاجة الى صيانة
كل صوت كان ينبعث من فوهة الأمل يروي على مرأى من أسماعنا سيمفونية التجربة , تجربة تتوكأ على قدر من اليقين , اليقين بمفهومه الثقافي ومفهومه الأيدلوجي , عبارة عن تجربة لا تخضع لأي هاجس يتردد في ملامسة الدرب ما إذا كانت الخطوة تتعثر في حجر أبقته عيون السابقين أم ذاك الذي لن ترفعه ضمائر اللاحقين , الفرق بين محطتين كالفرق بين وجهي المرآة , وجهها العادي يعكس الصورة بأمانة لكنه يفشل بملامسة الوجع الداخلي , ووجهها الثاني يلقم الحجم الحقيقي قدر أكبر مما عليه الصورة وهنا قد لا يكون المساس بالجوهر ولكن المظهر يفقد معالمه كعولمة أفقدت شعوبها نكهة الهوية , يا الهي ..هل على القادم أن يرتاد هذا السير لعله يبعثر لهاث الوجع رمادا بين أرصفة السفر حتى يدس في ذاكرتها بقاياه لــ يصل الى محطته وقد ترك كل آثار الجروح التي أغتسل منها بكل ما تحملها من ليالي داجية وصباحات عارية ؟
اللا وعي : هو عقار يؤثر في الوعي ينتهك مسافاته ويطلق عقبانا ونسورا في غاباته ويستحثه للنهوض بينما نحن على أرائك التراخي نتوسد الإغماض جهارا نهارا ونفرغ الذهن من السؤال , ثمة سؤال يحترف المخاض لكن اللا وعي المدعي فينا يوقظ هذا السؤال ويلقن الإجابة للريح و لأن الريح لا تستحي من كشف شروخ الجريح لكن الربيع يتقن البكاء بـــــ..لباقة , فدموعه محض شذى تفوح بــــــ..أناقة
ليست القضية في حجم السلاح وشراسة المتسلح وإنما في أصوات الآخرين التي تنبعث من أعماقنا عندما نئن ونسترسل في آلامنا نستلذ بسماع أصوات خارجية تخرج كالأدخنة وصوت يجاري أصواتنا نخدمه دون ان ندري ويمرر مصالحه من نسيج ملابسنا والنتيجة نبقى كما كنا لا أصواتنا تخدم قضيتنا ولا قضيتنا اليتيمة وجدت لها من يرفع عمودها الآيلة للتآكل ..
لأن القضية تكمن في الجدران الواهية والحواجز اللا مرئية التي يشيدها الوهم ولا يخترقها الفهم ونظل معلقين من رقابنا في مشانق بلا أعمدة تتدلى من ظنوننا ولا نقوى على قطعها حسب امتداد جذورها فينا .