نحن و ( فرتونة) والدجاج ورأس الدولة.
من وحي تاريخ عظيم
(بقلم محمد نديم علي)
االتاريخ عبِق بسيرة رجال ونساء ،،،، عرفوا أن الحق أحق أن يتبع ،،، وأدركوا أن هوى النفس يورد الإنسان موارد التهلكة. وأن العدل أساس الملك ، وأنهم خدم سخرهم الله لشعوبهم.
فلا هم أعجبوا بعقول لهم ،، ولا هم استأثروا بمنصب يمتصون من خلاله دماء الناس ، ويسترخصون به أرواحهم .
دولة مترامية الأطرف ،، من بلاد الهند والسند إلى مجاهل إفريقيا ،وسيلة الاتصال الوحيدة هي السفر وظهور الجياد والحمير والبغال ، وربما الحمام الزاجل.
مسافات فوق مسافات ،ومجاهل فوق مجاهل ومفازات بعد مفازات. لو مات فيها أحد جوعا ، ما درى عنه الجيران فما بالك بأمير المؤمنين؟!!!!!
لم يمنعه ذلك كله أن يرعى في الله رعيته
وأن يهتم لهمومهم ، بل ويبكي على فقير معدم أو عجوز تشكو الحاجة أو مريض يطلب الدواء فلا يقدر عليه .
حاكم لم تشغله أصوات القيان ، وأفراح الدعة ، ومراقص الغواني ، وخمور الليالي السود، ومدح المخنثين ، ونفاق التجار والمسئولين ، وإعلام الدجل ، وتقارير الزيف ، ومؤتمرات الخيانة ، وخطط النهب المنهجي لثروات البلاد.
،،، رأس الدولة يهتم لامرأة عجوز ، فقيرة معدمة لا تملك سوى دجاجات وبيض، وبيت تهدم جداره ، فتنكبته اللصوص ليسرقوا منها ما تملك وهو القليل.
لمن تشكو ولمن تذهب ، ولمن ترفع صرختها ؟
وهل تصل إلى والينا ، عبر أجهزة الأمن ، وصفوف الحراس ، ولؤم الحاشية ، وكتائب الجند المغيبين، وأكاذيب القادة ، وأجهزة المخابرات؟
نعم فلترسل رسالتها إلى رأس الدولة ، بخط ركيك لطفل يتعلم القرآن لتوه على يد شيخه الكفيف.
تصل الرسالة إلى الرائع (عمر بن عبد العزيز) ، فيهب منتفضا ، عارفا لواجبات وظيفته.
لم يتذرع بأن الدولة واسعة والشعب بالملايين فلم يعرف بأمر الناس ، لم يتحجج بأن حاشيته حجبت عنه أخبار الناس فلم يدر أن الناس تجوع ، ووالله لو اعتذر بهذا ما لامه أحد ،
ولم يكن يملك تلفازا أو جوالا أو مخابرات رقمية تسجل وتصورهمس النملة في حضن عشيقها. ينتفض حاكمنا ، يلفظه سريره ويرميه كرسي العرش بين يدي صرخة امرأة عجوز ، ويعاف طعامه ، وأحلامه فلن يهنأ له بال حتى تكف عينها عن بكاء مظلمة أو حرقة حاجة أوذل عوز.
الآن ، الآن ، يستدعي كاتبه ، ويملي عليه قراره الرسمي :
"إلى أيوب بن شرحبيل والي مصر ، إذا أتت رسالتي ، فقم من فورك ، ولا ترسل أحدا غيرك ، فابحث عن ( فرتونة المصرية) فابن لها بيديك جدار بيتها لأن اللصوص استعلوا عليه وسرقوا دجاجها والبيض ، وإذا انتهيت أرسل لي.)
(فرتونة) الفقيرة العجوز ، إهنئي الآن فحاكمنا عن رعيته لم ينم لأنه يخشى من لا ينام.
أي حاكم أنت ، وأي ضمير تملك؟
أي قلب لا يرى في الحكم سوى هما مقيما ومسئولية جسيمة جسيمة وخطر عظيم؟
يقظة ، وأمر ,ومتابعة ، قرار وتنفيذ ، ومراقبة وتأكد ، لا يرتاح الحاكم قبل أن يستريح آخر فقير في دولته المترامية الأطراف.
وينهض الوالي (أيوب بن شرحبيل ) من فوره ليبحث عن إبرة في كومة قش ، ويعثر علي (فرتونة ) المصرية العجوز في قرية صغيرة من قرى الجيزة فيقيم (بيديه) لها الجدار ، ويرسل لعمر أن قد تم ما أراد ، ولم يسكت (رأس الدولة) ، بل أرسل (لفرتونة) رسالة وتسلم منها الرد بأنها قدر رضيت بما تم!!!!!!!
من أنتم يا حكامنا؟
وأين أنتم منا؟
وأين نحن من (فرتونة) المصرية الفقيرة العجوز التي سرق اللصوص دجاجها،،،،، والبيض؟