بِقَلَم ِ/مُحَمَّدٍ مَحْمُوْدِ شَعْبَانَ ( حَمَادَةَ الشَّاعِرِ)
مِصْرَ ـ الزَّقَازِيْقِ ـ مُحَافَظَةِالشَّرْقِيَّةِ ـ
( مُرُوْرُك يُسْعِدُنِي ، أمَّا تَرْكُ رأيك فسوف يسعدني أكثر ، ومهما يكنْ فَلنْ أَغْضَبَ ..
وإنْ لمْ يكنْ لك تسجيلٌ ـ في واحةِ الْخَيرِ ـ فَلْيَكن الآنَ ، و في هذا أبلغُ السَّعْدِ ..
أَتَمَنَّى لك الاسْتِمْتَاعَ وَالنَّفْعَ بما فيها .. مَوَدَّتِي .. ولتكبير الصفحة اضغط ( ctrl+ )
مَدْرَسَةُ الْأيَّام
( هِيَ أَيَّامٌ مَرَّتْ سَحَابَاتُهَا مَاطِرَةً مَوَاقِفًا في وَادِي الْحَيَاةِ الرَّحِيبِ ، فَأَيْنَعَتْ بِهَا دُرُوْسٌ وَعِبَرٌ
وَهَذَا أَحَدُهَا . )
( 1 )
( ولله في خلقه شئون )
J انْفجرَ وَجْهُ سِيَادَته دَمًا ، وتزلزلتِ الأرْضُ منْ تَحتِ قدَمَيْهِ ، وَفَطَّ وَنَطَّ ، وَكَأَنَّهُ نَارٌ تَلَظَّى ، وفجأةً نَفَرَ عِرْقُ ( الْمِيري ) في جَبِينِه ، وَأَرْعَدَ صوتُهَ ما بين ( الْمِيْسَينِ ) آمرًا : انتباه يا عسكري ، وَرَدَّدَ الْفَراغُ مِنْ حَوْلِنَا صَرْخَتَهُ صَدًى ، وحمَل الهواءُ عنه صوتَهٌ الضَّعيفَ النَّاعمَ ، ولولا ذلك ما أَسْمَعَ ، ولا أُبْصرَ بِضَآلَةِ جِسْمه وتَكَوُّرِ كِرْشِهِ كَثَمَرَةِ الْقَرْعِ النَّاجِمَةِ على الأرضِ .
Jولا أَدْرِي كيف أجازتِ ( لَجْنةُ كشف الهيئة ) مثلَه ؟ .. شئ عجيب حقا ! ..كيف أغْفَلَتْكَ الْعُيونُ ؟ لعلك مَرَرْتَ مِنْ تحتها كالصَّرْصُورِ الْمُتَطَفِّلِ الذي يَمُرُّ من تحت عَقِبِ الباب ـ سبحان الله ! ـ يتقدَّمُ مثلُك قيُقْبَل ، وأنا أُرْفض مِنَ ( اللجنة ) حين تقدمت لها بعد ( الثانوية ) ، ولله في خلقه شئون !! والحمد لله رب العالمين .
Jهو الذي اسْتشَاطَ غضبًا وأَلْهَبَتْ كلمتي حَمِيَّتَه ، وَأَطَارَتِ ( النِّسْرَينِ والدَّبُّورَتِينِ ) عن
كتفيه .. ومشى سيادته أمامي بخطوات سريعة مُشِيرًا بسبباته : أن اتْبَعْني ، وكأنما يدعو عبدًا قد اشتراه له أبوه من سوق ( مَرْكَزِ التَّعْبِئَةِ ) ، وتبعتُه حتى دخلنا ( مِيْسَ الضُّبْاطِ ) ، فأمر بِمِمْسَحَةٍ ، ودَلْوٍ ، وأَهْرَاقَ الماءَ بنفسِه على الأرضِ ، وأَمَرَني بِالْمَسْحِ .
J أَبسببِ امْتناعي عن غسلِ سيارة ذاك الضَّابطِ زَمِيْلِكَ ـ والذي تَقَبَّلَ امْتِنَاعي بمنتهى الاحترام لأنني لست هنا لخدمةٍ شخصيِّةٍ لأَمْثَالِكم ـ تحاولُ إِذْلالي أمام زملائي ؟ .. أتريد ذبحَ كرامتي وتأمرني بمسح دَمِهَا الْمُهْراقِ ؟ أسيعجبك تصدُّعُ وتَهَدُّمُ هامةِ كبريائي في وُديان الأحداق الْمُتَّسعةِ من حولي ؟ هل سيشعرك بالفخر أن تُعْلِىَ بناء شخصيتك ، وتُبْهِرَ العيونَ بجمالِ وَاجِهَتِهَا على حساب تَقْوِيضِ أركانِ شخصيتي مُسْتَغِلَّا سَوْطَ سُلْطَتِكَ ، فتُلْهبَ به شجاعتي فَتَنْتَشِيَ .. بينما هي تفر من عيني وتَهْوِيَ فتختبئَ خلفَ ساقَيَّ فهما ترتعشان أمامَ جَبَرُوتِكَ ؟ .. لا .. لا .. لن أٌفرحَ غُرورَك بهذا .
J فما أنْ رأيتُ الدَّلْوَ والْمِمْسَحةَ والماءَ المهراقَ حتى استدعتْ ذاكرتي كل َّمشاهدِ الاستعبادِ في الجاهليةِ والاستعمارِ والإقطاعِ ، والتي ما شاهدْتُها إلا في الأفلام ، والمسلسلات ، ولكنني لم أشأْ أنْ يَتِمَّ الَْمَشْهَدُ كما شاهدته ، فرفضتُ الأمر وأعلنتُ العصيانَ ـ أمامَ الجميعِ ـ ، وأنا أعلم أنَّ الْمَآلَ ـ لا محالة ـ سيكون غُرفةَ السِّجْنِ ، وما أدراك ما (الغرفة ) ! حيث التعذيبُ والصَّعْكُ بالكهرباء ، ونزحُ خَزَّانِ( البول والبراز ) باليدين .. فهكذا كنا نسمع ممن خالفوا الأوامر فكان مصيرهم ( الغرفة ) .
J ومِنْ ثَمَّ قادني سيادته لمكتبِ ( القائد ) ( دوَّرْني مكتب ) ، والذي بلغه الخبر قبل وصولنا .. كيف ؟ لا أدري .. فالوحدة بمثابة الغرفة المغلقة ، والخبر كرائحة السمك المقلي الذي ينتشر بسرعة البرق ، ويصل حتى أَدَقِّ الشُّقوقِ ، فلم نَمْكُثْ عنده سوى ثلاثِ دقائقَ استدعى خلالها أمنَ المطار ، فكأنه يعمل بالحديث ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما .. ) ـ ولكن طبعا بعكس تفسير الحديث ـ فهو لم يسمعني حتى .. ، وهنا ، وهنا فقط .. تَغَشَّتْنِي ظلمةُ الظُّلْمِ ، وضاقتِ الأرضُ بما رحبتْ ، وشعرتُ وكأنَّنِي أتنفَّسُ مِنْ أعلى قمةِ ( إيفريست ).
J ثم أُقِدْتُ على جناح السرعة ، أو ( الصَّاروخِ ) إلى مكان ( الغرفة ).. بعد إعطاء سيادته التوصِيَاتِ للأمْنِ بالاسْتِوْصاءِ بي خيرا ،ـ والعكس هو المطلوب ـ ، وذلك يظهر في غمزه ولمزه وهمسه ..، ولكنني ـ ولمَّا أدْخُلْهَا بعد ـ بقيتُ خارجًا .. في ساحةِ ( الْعَلَمِ ) وبجوار ساريته وفي ساعة ( عَصْرٍ ) والشمس تتهادى في أحضان المغيب ، وشذى أشجار الليمون يتطوف بكل محيط المطار .. سياجٌ رائعٌ من الأخضر النضير والذي يُطْفِئُ صفرة ، ولظى الصحراء .
J وبعد حوالي ساعتين قضيتُها بين ( عساكر أمن المطار ) نضحك ونحكي ونشرب ونأكل .. أُمرتُ بالاستعداد و .. التأهب .. ولكن .. ليس لدخول ( الغرفة ) !! ...وإنما للعودة
( للمِيسِ ) لأنه تم الصفح عني ، وفي طريق العودة ، وفي صندوق السيارة ( البوكس ) يطوحني ، أحسستُ ، وكأنني داخلَ لعبةِ السيارة المجنونة ( بالملاهي ) ، ومع كلِّ ( مطبٍّ ) يصرخ الصندوق مستجيرا ، وقد أكل الدهر عليه وشرب ، وكان يجب تقاعدُهُ منذ ثلاثين عاما
( تَكْهِينُهُ ) ، فأسمع صرخته تشقُّ ( طبلة أذني ) وتستقر داخل تلافيفِ المخِّ والمخيخ ، حتى أصابتني بصداع حادٍّ ودُوَارٍ ، ثم رَبَتَ أحدهم على كتفي ، وهو يذكرني ألَّا أنسى ذكرَ أهوال
( الغرفة ) التى شاهدتُها ، والعذابَ الذي تعرَّضْتُ له ، وخاصةً أمامَ سيادته !!!!
J ورجعتُ وأفرادَ الأمن .. فوجدنا سيادته في انتظارنا خارج ( الميس ) ـ في وضع
( الصفا ) ـ ، وكأنه يقف بين ثلاثةِ مثلَّثاتٍ حادة .. شخصيةٌ مريضةٌ معقدَّةٌ .. غارقٌ في الزَّهْوِ والخيلاء بزيٍّ رياضيٍّ ( التِّرينْج ) ينظر إلى الجندي الذي يتَصَنَّعُ الانْكَسارَ ، وهو يعلم أننا جميعا نمثِّلُ مسرحيةً ، ولكنه يعجبه كونه البطلَ والمخرجَ والمؤلِّفَ وحتى المشاهدين ، ويعلم أنني أُخْفِي خلفَ هذا الانكسارِ كبرياءً لا حدودَ له ...
Jكان يومان ، وسيُظِلُّنَا هلالُ عيدِ الأضحى، وصادفَ أنه لن يتواجدَ أحدٌ في ( الغرفة ) غيري ، فأقْسمَ عليَّ (عساكر و صُولاتُ ) الأمنِ إلا تنازلْتُ أمامَ هذا الْمَغرور حتى لا يُضْطَرُّونَ للبقاء مع السِّجين الوحيد ، فيضيع عليهم قضاءُ أيام العيد بين ذويهم ، فقاموا هم بالْمُحَايَلاتِ والاتصالات بسيادته ليَصْفحَ عن الْمُذْنبِ ... وواللهِ الذي لا إله غيرُه لولاهم ما عدتُ لأقفَ آسفًا أمام هذا الأَبْلَهِ المغرور .. ولكن تُرى أيهما أكرم أيها الجنديُّ الأبيُّ غَسْلُ السيارة أم مسحُ أرض ( الميس ) ؟ ... أعتقد أن كليهما من اختصاص من يستعملهما !!!
J وتالله لولا بَذَّتُكَ التي تختبئ خَلْفَهَا كالفَأْرِ دَاخلَ الجحر ، لكنْتُ طَوَيْتُكَ في (جَيْبِ بِنْطَالِي الْمُمَوَّهِ ) كالورقة ، وأظنه يكفيك .. ، و ( سيجارتك ) التي تنفث دخانها في وجهي كنت أستطيع أن أطفئها في دمع عينيك الذي كان سينهمر نَهْرًا من ويل ما كنتُ سأفعله بك ، ولكن .. ولكن ..
لَكَ الأَمْرُ ـ رَبِّي ـ فَسُبْحَانَكَ .. عَظِيْمٌ ، وَنَطْمَعُ في عَطْــــفِكَ
وَلَسْتُ لِغَيْرِكَ ذَا حَاجَـــةٍ .. كَفَـانِي التَّصَبُّرُ في وَصْلِــــكَ
ـ إلهي ـ الدُّروبُ لها عَثْـرةٌ .. وهــل مِنْ مُقِيلٍ بِهَا غيـــرُكَ
لَكَ الْكِبْرِياءُ رِدَاءٌ ، ومــا .. يُطَاوِلُ شئٌ ذُرَى قَـــــــدْرِكَ
تَواضَعْ فَأَصْلُكَ طِينٌ ، وَمَـا .. ونُتْنٌ ، ودُودٌ هُمَا خَتْمُــــــكَ
وَلَوْلَا فَرَارُكَ في بَذْلَـــةٍ .. كَجِرْذٍ لَأَمْكَنَنِي صَيْـــــــدُكَ
Jتُرى لو دعا داعي الجهاد ستقف يملؤك هذا الشموخُ وهذا الثباتُ ـ يا ذا اليدين والشعر الناعم .. يا ذا الاسم الْمُجَلْجِلِ بانتسابه لأشهر العائلات ـ ؟ .. . تُرَى ما بَلَّغَكَ هذا المجالَ ؟ بَشرتُك الناعمة ُ، ووسامةُ مُحَيَّاكَ ، وقُدُراتُكَ المحدودةُ ، أم اسمُ عائلتِكَ ذِي النُّفوذِ ، والضَّاربِ بأَطْنَابِه في كلَّ شِبْرٍ بالبلد ؟ .. حُقَّ عليك ـ أيها النِّسْرُ الطَّائرُ ـ أنْ تَصُفَّ جَنَاحَ الْعِزَّةِ على المتربصين بأرضِ وطنِكَ ، وأنْ تَقْبِضَهُ على أبنائه . حُقَّ عليك أن تَلينَ مخالبُكَ مع أَحبابه ، وأن تَحْتَدَّ على أعدائه .
انتهت بحمد الله ، والله من وراء القصد
تحريرا في / 1/3/2012