دكان الحنين
هذا اليوم تناولتني ذاكرتي كما لو كنت وجبة شهيّة، فنضج في دمي الحنين إلى أرض الآباء . شيطان الوجع مراوغ يراودني عن الأمل ،ساعدته الفتنة في علوِ الحنق فأثقلني و أوجعني.
يتذكّر دمي ريح المسكِ و العود يفوح من أجساد الأمنيات المجاهدات و في مثل هذه المناسبة لا يمكنني أن أزعم أن الرفاق حبسوا أشجانهم كي لا يذرفوا دموع آلامهم، في زمن الانبطاح و قد صار المبتغى ضالاً يا صاحبي لا ريب من الدم المنثور في أسواق الأنين .
إن لم تألم كما يجب فإن للألم حق أن يقاضيك أمام القضاء ، و أعلم أن الألم دين عليك سداده ،فأنت و أنا و هي و هو نقطة ارتكاز و ما دوننا بيئة لإنتاج الأجيال القادمة للحزن يحفرون الصخر يخرجون أفكارا تتكاثر و لا يبحثون عن الصواب .
ننكبُّ على وحدتنا الباردة بلا جبين يمر بأجسادنا تحرّق الحنين أسراب برد من ثلج ، مر المساء كدنا نشيّع السعادة الهاوية بنا وديانا من آهات خلف الغائبين وراء المستحيل .
اصرخ في فراغ راسك أن لنا بينهم غائبين و أن زمان الوئام مضى و تلاشت معه أحلام الأنقياء ،ضحك الضعف على القوة فأطرق البؤس رأسه و هدأ الجمع.
كانت الحرب تدور ما بين الوريد و الوريد ،و بائع الحنين في سكونه الغريب مثيراً للريّبة، ما يلبثُ أن ينتفضَ فيفزع في صوته الجهور قائلاً: إن لم تغوص في دروب التائهين فلا طائل من شراء الحنين . فآلمني.
ابتعتُ وطناً مشبوهاً و معارضين ألهبتُ مشاعرهم و ما أتعبوا أنفسهم حتى غرقوا في الضوضاء و فوضوية الانقسام مدّعين أنّا نحن مجمع التابعين ننفي و نثبت في غابة يرونها أنيقة، يكفينا فيها شرف الإدانة .
اخرجي من لغة الذّوْد يا أناي و انضجي يا شقيّة في دمي، على الباغي يا أناي تدور الدوائر ، و في دكان الحنين مخزون يكفينا دهورا .
شكراً لحزني الذي يمدني بصلة قرابة ما بيني و ما بين البؤساء .