لحظات من ذاكرة اليوم
إنه المطر مجددًا يهطل ويملئ محيط فلسطين بالحياة، ولأول مرة أمشي هنا في شوارع الناصرة ولا أشعر بمعنى هذا الجمال الذي أحب. كان عليَّ أن أسير في هذا الطريق، أن أسير وأشعر بكل ما يحصل معي من تغيرات في هذه الفترة، وأن ألقي عن كاهلي كل حالات الضجر التي أصابتني، ولكن لا شيء ينقلني لكل ما أريد، ولا شيء يأخذني لأعيد الحس من جديد في قلبي، ولا شيء يينقلني للمكان الذي أريد، ولا شيء يخطفني ويبعدني عن واقعي الذي أعيش.
أمشي في شوارع الناصرة ولا شيء يمشي معي سواها الذكرايات وآلة التصوير وصدى تلك القصيدة التي كتبتها ليلة الأمس بعد أن فارقني القلم فترة طويلة، أمشي وأنا لا أعلم لما لصوت حكايتها ذاك الوجع المختلف عما رسمه الإحساس بين السطور.
السماء ملبدة بالغيوم وصوت الرعد يزمجر في الآذان وتزداد ضربات القطرات على رأسي، أشعرها كالحجارة بين الحين والحين وما زال العقل محاط بتلك الأفكار التي أكرهها وأريد التخلص منها وأنشلها للنسيان.
آه.... كم أود أن أمطرها تمامًا كما تفعل الغيوم بالقطرات حين تثقل كاهلها..!!
أكملت المسير حتى وصلت موقع العمل الذي أداوم به، وأول ماوصلت بحثت عن أوراقي وضعتها على الطاولة، تركتها قليلًا وذهبت لأقوم بترتيب المكان وأقوم ببعض التحضيرات لعمل هذا اليوم، نظفت بعض غرف العمل، أمسكت أكياش القمامة وخرجت بها للشاعرع العمومي لألقي بها بالحاوية الكبيرة، رأيت أحد سائقي السيارات العمومية الذي يعمل بالقرب من عملي، أوقفني.. ثم سألني: في أنت عاملة نظافة في المركز، نظرت إليه.. صمتت للحظات ثم ضحكت.. وأجبته: النظافة ليست عملًا إنما فرضًا على كل منَّا تأديته ليحافظ على نفسه.. قلبه.. عمله.. بيته.. وبيئته......
ارتبكت فرائسه وامتع وجهه خجلًا.. تركته وعدت للمكتب وخططت هذه اللحظات على صفحة من أمل وأنا أبحث عن شيء يدفئني، أو حتى لشيء يجعلني أبدل ذلك الطعم المر الذي تذوقته هذا الصباح من طريقة تفكير المجتمع واعتقاداته بالأمور والأخذ بالمظاهر وكل أفكاري القاتلة ومشاعر الغربة المكتراكمة مع ذكريات الطفولة المؤلمة..
دارين طاطور
20-12-2012
09:47