مقبرة الشهداء
وسط شواهد القبور المعرشة باللبلاب، تنتشر أشعة الشمس والعبير والرنيم.
أيها الهانئون ، المضجعون تحت راياتكم،المستكينون إلى قلب الأرض الرؤوم. أيها الهانئون، يا من عدتم أطفالا وادعين ومجهولين لتستريحوا في حضن الأم.
أصغوا ثمة ، تراتيل وزغاريد من النحل والأزهار تغني لشوق اللاهف إلى الحياة. ومن جذور الأحلام المتشابكة، يهب الوجود الذي طال موته إلى النور،و خرائب الحياة، المدفونة بغموض، تتحول مطالبة بالحياة، والأم_ الأرض الحنونة، تختلج بمخاض الولادة.
كنز الكرامة العذب في جدثه الأجوف يهتز بلطف كما حلم الليل.
فليس حلم الموت سوى الدخان الأسود حيث تشتعل تحته نيران الحياة، فهل لي أن احرس أحلامكم
السير ليلا
أتمشى في وقت متأخر وسط السديم، ظلال الجدران تتهاوى على الأرض، ومن فرجات الكروم يتراءى لي ضوء القمر منسكبا على الجدول والطريق.
الأغنيات التي كنت غنيتها مرة تعاودني بنعومة من جديد، وتعترض طريقي طيوف أصدقائي الشهداء .
تتصادى في خطواتي ريح السنين وبردها وحرها، الليالي الصيفية والبرق الأزرق، العواصف وتعب الترحال، مسفوحا ومترعا بفيض هذا العالم، أحسني منجذبا مرة أخرى حتى يغيب دربي في الظلام.
التائه
كالسائر في نومه، أتلمس طريقي خلال صحارى الروح وشعابها، محاطا بهالة سحرية تتوهج بشكل خيالي، غير عابئ إن كنت قديسا أو شيطانا، ملبيا بإخلاص ندائي الداخلي.
كم من مرة ارقني الواقع الذي يعيشه الآخرون وكم من مرة دعاني إليه! هناك وقفت متحررا من والوهم وخائفا ، ولم البث أن انسللت مبتعدا من جديد.
آه يا بيتي الدافئ الذي سرقوني منه وأبعدوني ، آه، يا حلم الحب الذي أقلقوه فيّ. إني لأفر عائدا إليك عبر ألاف الصحارى والشعاب كما يعود كل الماء إلى البحر.
تقودني الينابيع سرا بألحانها، وتنفش الطيور الأحلام ريشها الفاتن، وتخرج طفولتي بسذاجتها كما لو للمرة الأولى، على شواطئ الضوء الذهبية وصخور جبل الكرمل، هناك أجدني من جديد أنشج قرب اجزم.
عالم الجليل
إني لاحس بها المرة تلو الأخرى، ماهم شيخا كنت أم يافعا ، جبال الجليل في الليل، المرأة الصامتة على شرفة الرينة، الشوارع البيضاء تحت أشعة القمر وهي تنعطف مبتعدة برقة ، إن ذلك ليمزق قلبي شوقا للخروج من جسدي.
أيها العالم المحترق بالبلوى، أيتها الساحرة البيضاء على شرفة الناصرة، أيها الحصان الصاهل في الوادي، والقطار المسافر إلى البعيد، أي حالمين كنتما؟ وما كان أمر حلمكما؟
ومع ذلك انتهيتم لتكونوا أحلى أحلامي وأوهامي.
غير مرة جربت الدرب إلى صفد وطبريا ، بأشيائه المحددة بالزي والبندقية و الشهيد، ولكنني، مستعيدا لجوئي وحيرتي، ردني حقل ألغام وبعض من الجنود عن حلمي المبارك .
أيتها الريح اللافحة ، أيتها المرأة الناصرية السمراء، أيها العالم الطافح باللافتات الغبية وأنفاس الشعراء، أيها الواقع المقيت الذي ما انفك أعود إليه، حيث برودة لاءاتك تومئ إلي، حيث صوتك يقهرني !