(في رثائه)
ناديتُ ناديتُ.. جمـرُ الشوق بـرّحَ بي
ِصمتٌ هنا.. غيرُ رجـْع الصوت لم يُجِـب

أريكةٌ هاهنا.. سجّادةٌ.. قلـمٌ
ومصحفٌ لم يزلْ يُتلى.. وطيفُ أبي

و ساعةٌ طُرِحتْ.. حارتْ عقاربها
من بعدِ معصمهِ الحاني.. فلم تثِبِ

هنا الدواةُ.. وقرطاسٌ تَـرقّبَهُ
وشايُـهُ.. وحنينُ الماء في القِـرَبِ

إني ارتسمتُ خُطـىً تحذوكَ يا أبتي
أنا أمامكَ.. مهما قد كبرتُ: صبي!

إشتقتُ نظرةَ عتْبٍ منك تزجرُني
و''فَـرْكة'' الأذنِ إنْ غاليتُ في صَخبي

ولمسةً من ندى كفّـيك تغمرني
فمن لروحِيَ رِيّـاً إن مضتْ سُحبي؟

وما رأيتُكَ إلا آخِذًا بيدي
كالطَّـلِّ يُنبئُني عن خضرة العُشُـبِ

ياقدوتي كنتَ.. إذ : لا يأس يصرفُني
والفوزُ مسلكه جسرٌ مِـنْ التعب

لك العصاميّةُ الشمّاء كنتَ بها
بلا وقودٍ ذكاءَ النار في الحَطب

ألِـفتَ شوك دروب العمر.. وخزَتُها
أغضّ من مُزهِـرٍ في منبتِ الرّيَـبِ

ما حلَّ داؤك إلا وابتسمتَ له
رضًا من الله واستبشارَ محتسب

أبا الكواكبِ! إثنيْ عشْر تنظُمُها
فكيف وجهتها في غيبة القطُبِ؟

تحكي الرفوف بمن قد كان يعهدها
رفقاً.. وزيّنها من أنفس الكتب

تحكي الدفاترُ أنّ الدّرس ديدنُهُ
وأنّ مأملَه في العلم لم يخِب

ْتحكي السطورُ بأنّ الفكرة اختمرت
فأين منه يراعٌ سال بالأدب

سقيتني من فصيح الشعر أعتقه
ومنك يعذُبُ نطق الضاد في الخُطبِ

هم أودعوك ترابًا طاهرًا.. وأنا
أودعتُ حين مضوا قلبي إلى الترب

وضعتُ كفّـي على طهر الثرى ولهًا
بغير طيب وصالٍ منك لم أطِب

أراكَ في بهجة الأشياء.. رونقها
في الطير سابحةً في أفْقها الرّحِـبِ

وما مرارة عيشٍ كنت ذائقها
إلا كقهوتك السمراء يا عربي

وارى الثرى سنداً ما عدت أبصره
لكنّ مرآهُ في الأحداقِ والهدُب