تَهُونُ المَصَائِبُ دُونَ مُصَابِي
وَلَيسَ يَفُوقُ عَذَابٌ عَذَابِي

وَمَا حَمَلَتْه روَاسِي الجِبَالِ
لَأَدْنَى وَأَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ مَا بِي

رُزِقْتُ بِبِنْتٍ كَوْجَهِ الصَّبَاحِ
وَوَرْدِ الأَقَاحِي وَزَهْرِ الرَّوَابِي

فَبَثَّتْ حَيَاة الرِّضَا فِي حَيَاتِي
وَرَدَّتْ لَيَالِي الصِّبَا والتَّصَابِي

فَأَغْدَقْتُ كُلَّ نَعِيمٍ عَلَيْهَا
كَمَا أَغْدَقَ الرَّوْضَ مُزْنُ السَّحَابِ

كَلِفْتُ بِهَا وَبِتَدْلِيلِهَا
وَأَسْرَفْتُ أُعْطِي بِغَيْرِ حِسَابِ

وَأَمْنَعُ عَنْهَا صُرُوفَ اللَّيَالِي
وَأَخْشى عَلَيْهَا طَنِينَ الذُّبَابِ

وَرُحْتُ أُبَذِّرُ مَالِي لَهَا
وَأُطْعِمُهَا الشَّهْدَ حُلْوَ الرُّضَابِ

وَمَا كُنْتُ أَرْجُو بِأَنَّ جِهَادِي
يَضِيعُ هَبَاءً كَمَاءِ السَّرَابَ

وَأَنَّ جَمِيلِي سَيَرْتَدُّ نَحْوِي
فَيُحْرِقُنِي مِثْلَ نَارِ الشِّهَابِ

وَأَنَّ الَّتِي كُنْتُ أَمَّلْتُهَا
لِتَرْحَمَنِي حِينَ فَقْدِ شَبَابِي

تُصَوِّبُ نَحْوِي سِهَامَ العَدَاءِ
وَتَنْهَشُ قَلْبِي بِظِفْرٍ وَنَابِ

وَشَيَّدْتُ آمَالِيَ المُشْرِقَاتِ
عَلَيْهَا فَخِبْتُ وَزَادَ اكْتِئَابِي

تُنَاصِبُنِي الحَرْبَ حَتَّى كَأَنِّي
عَدُوٌّ حَقِيقٌ بِهَذَا العَذَابِ

أَإِنْسَانَةٌ أَنْتِ أَمْ صَخْرَةٌ
أَلَسْتِ تَخَافِينَ سُوءَ المَآبِ

وَلَوْ أَنَّ كَلْبًا عَطَفْتُ عَلَيهِ
لَبَرَّ فَكُونِي كَهَذِي الكِلَابِ

وَقَالُوا تَضَرَّعْ إِلَى اللهِ وَادْعُ
بِأَنْ تَهْتَدِي لِطَرِيقِ الصَّوَابِ

فَوَجَّهْتُ وَجْهِي لَرَبٍّ جَلِيلٍ
دَعَوْتُ عَلَيْهَا بِشَرِّ عِقَابِ

كَتَبَتُ لَهَا مَنْزِلِي بِاسْمِهَا
مَخَافَةَ أَنْ تُزْدَرَى فِي غِيابِي

لِئَلَّا يُنَازِعُهَا الوَارِثُونَ
يَسُومُونَهَا الخِزْيَ بَعْدَ ذَهَابِي

فَبَاعَتْهُ جَهْلًا بِسِعْرٍ زَهِيدٍ
وَبَاعَتْ مُنَايَ وَذِكْرَى شَبَابِي

وَأَعْطَتْ غَرِيبًا مَفَاتِيحَ بَيتِي
وَمَا رَحِمَتْ شَيْبَتِي وَانْتِحَابِي

وَرَاحَتْ تُهَدِّدُنِي بِالخُرُوجِ
وَأَنْ لَيْسَ لِي فِيهِ إلَّا ثِيَابِي

وَمَنْ لَمْ يَذُقْ ذِلَّتِي وَهَوَانِي
فَلَيْسَ جَدِيرًا بِبَذْلِ العِتَابِ

شَكَتْنِي لِنَزْعِ الوِلَايَةِ مِنِّي
فَخَارَتْ قُوَايَ وَطَارَ صَوَابِي

وَقَالَ لِيَ الشَّيْخُ عَنَّفْتَهَا
فَأَطْرَقْتُ أَبْكِي لِهَوْلِ المُصَابِ

أَعَنَّفْتَ هَذَا المَلَاكَ الوَدِيعَ
تَكَلَّمْ وَأَسْرِعْ بِرَدِّ الجَوَابِ

فَقُلْتُ نَعَمْ لَا لِشَرٍّ وَلَكِنْ
لِأَحْمِيَهَا مِنْ قَطِيعِ الذِّئَابِ

وَقَالَ سَأَحْكُمُ بِالعَدْلِ فِيكُمْ

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ أَنْ أُحَابِي

سَأُسْقِطُ عَنْكَ الوِلَايةَ حَالًا

وَيَأْتِيكَ بَعْدَ قَلِيلٍ كِتَابِي

وَهَائَنَذَا صِرْتُ فَرْدًا وَحِيدًا

وَأَشْكُو إِلَى اللهِ سُوءَ انْقِلَابِي

تَشَتَّتَ شَمْلِي وَخَارَتْ حُصُونِي
وَمَلَّ الدُّجَى وَحْشَتِي واغْتِرَابِي

وَوَلَّتْ حَلَاوَة عُمْرِي فَعِشْتُ
المَرَارَةَ فِي لَذَّتِي وشَرَابِي

فَلَيْتَكِ يَا طِفْلَتِي لَمْ تَكُونِي
وَلَا طَرَقَتْ ذِكْرَيَاتُكِ بَابِي