وقعت تحت يدي ذات يوم عن طريق الصدفة... فاردت منه نشرها لكن قال بانها مجرد افكار ترابية..
فعزمت على نشرها..
انها ل جوتيار تمر
لعلكم تعرفتم عليه هنا في الواحة....


الطين
كان الطين دميته في صباه
حين حرمته الأقدار من سواها
كان يعود كل مساء وقد..
غطى جبينه التراب
وتوسخت بالطين يداه..
فتلوم ألام وتندب لساعات حظها

عندما تكون الطين مادة لأي نص ادبي فانه يأخذ طابعا اخرا قال عنه ذات يوم الكاتب نفسه بان الجميع يهاب النصوص الترابية والتي في ظنهم انها تقلل القيمة الفنية للنص اعلم بانه لم يكن يقصد بالضبط استخدام الطين التراب كمادة للنص لكن اظنه كان يقصد النصوص المباشرة المأخوذة من الواقع وبلغة سلسلة سهلة ...المهم هذا النص هو اخر ما وصلني منه وأظن بأنه ليس بجديد لأني أرى بان الأسلوب المتبع فيه هو ما كان يتبعه قبل سنوات.
لو حاولت ان اجاري نسق افكاره هنا فانني ابدا ساقع تحت تأثير ما كنت اتلقيه عنه عندما كان يكتب ملاحظاته القيمة عن نصوص كنت اكتبها لنفسي بل بين نفسي ونفسي وبمشاركته هو..المهم ان مجرد التمعن بالنص يلاحظ القارئ بانه ابتدأ كعادته باظهار احد اشكال المعاناة سواء اكانت هذه المعاناة ذاتية ام شاملة لمحيطه...فالصبي هذا ليس بغريب عنا نحن جميعا ممن عشنا مثل هذا الواقع حيث قد لايختلف اثنان على ان الاطفال في مرحلة ما من مراحل عمرهم يداعبون الطين ويصنعون منه العاب وو..لكن ما جعلني اقف هنا هو لماذا الاقدار هي التي حرمتهم ..؟ ولماذا نجد دائما بانه يلقي اللوم على الاقدار قبل كل شيء اخر...؟ هذا السؤال مازلت ابحث عن اجابة مرضية عنه دون ان افلح...؟
في هذا المشهد المثير صبي يلعب بالطين نهاية كل يوم لعب في شرقنا توجد مادة اخرى الا وهي مادة التوبيخ المرافقة لكل يوم لعب طبعا العودة الى البيت حيث الام تنتظر لتقول حصتها اليومية..فهي برغم تعبها من الاعمال المنزلية الغير منتهية تجد بان صبيها هذا لايرحمها فيزيد عملها بتوسيخ ملابسه ونفسه..وهو مشهد يحسب له لا عليه لانه يذكرنا بايام طفولتنا.

وذات يوم كعادته...
عاد في المساء.....

انه المساء ككل مساء اقصد هنا الحصة المسائية التي يمكن ان يكون الصبي قد حفظها عن ظهر قلب لكنها ضرورية على الأقل للام التي تجد بعد ذلك أنها قامت بتربية الصبي على أكمل وجه.

نظرت إليه ألام فزعة
صاحت وناحت..وهي
تندب حظها من جديد
ألتم الأهل حولها،
وبلفهة المفزوع ماذا بك أماه..؟
ردت بدموع تنهمر كمطر اذار
أخوكم عليل..أصابته عين حسود

لكن ماذا حدث هذه المرة الام في حصتها المسائية هذه لاتردد نفس الكلمات السابقة..انها تتفق مع الايام السابقة بالندب..ندب حظها..لانها لا ترتاح أبدا..لكنها هذه المرة فزعة خائفة من شيء ما وهذا الشيء قد يكون غريبا بالنسبة لنا ولها..الصبي عاد..لكنه غير متسخ..انها اكيد عين حسود اصابته..اليس هذا ما كان يردده اباؤنا عندما كنا نصاب بمرض او بكسر او حتى رض بسيط..انه يعيدنا الى الايام الخوالي التي علينا ان نظل نتذكرها لنعرف ماذا علينا القيام به الان وغدا...ولا اعلم كيف يمكن ان ننظر الى قيمة هذه الكلمات خاصة اني اجد فيها انفعالا باطنا منه وكانه يتمنى ان تعود او ان يعيشها الاطفال في وقتنا هذا...وبالطبع هذه العودة هي التي جعلت من نياح وصياح الام ضرورة لكي يلتم حولها الاهل....ومشاعر اخرى جياشة يظهر هنا لنا الاهل بفزعهم من نياح وصياح الام...اننا هنا امام لوحة وجدانية عظيمة...وانظروا معي الى قيمة هذه اللوحة..دموع اذار ..لماذا اذار...؟ اذار في الشمال موسم الخضرة وتفتح الازهار ونشر عبقها في الارجاء..ووووو...اذا دموع الام هي دموع تزهر الحياة في صدور الابناء لانها دائما تعطي من ذاتها لذاتهم ليعيشوا افضل منهم..وعندما ترى الام الصبي الذي عاد ولم يتوسخ بالتراب بانه عليل مريض او اصابته عين حسود فانها بالطبع ام عظيمة تستحق منا الاجلال.

التفت الجميع اليه
اذا بوجهه مشرق مهموم
وشفتاه تعلوها ابتسامة وانكسار
لكن اماه ما به شيء
لعله ارق او حزن اصابه
قالت كيف ..الا ترون...
قد عاد اليوم دون تراب..
حتى يداه انظروا اليها
بيضاء نظيفتان...

الجميع يعيش الان حالة غريبة اختلطت فيها مشاعر الحب العظيم للام والخوف عليها..ومظهر الصبي الذي تنوح الام عليه...ولو لاحظنا هنا هذا التمازج الغريب للمعاني المتناقضة لوجدنا باننا امام قيمة فنية تحاول مزج التضاد من اجل اخراج معنى فلسفي لمَ وراء الكلمة...اقصد هنا ميتافيزيقيا الكلمة المكتوبة هذه....مشرق مهموم...ابتسامة وانكسار... أليس هذا ممكنا على الاقل لدى صبي يشعر بحب امه ويخاف عليها بسبب نياحها ودموعها..اليس هذا ممكنا....؟
اذا فيداه نظيفتان...وهذا هو سبب النياح والبكاء والصياح...اذا فعدم وساخة ملابسه جعلت الام تظن بان عين اصابته...اذا اقف انا هنا اجلالا واحني رأسي امام الام هذه...!

اقترب الصبي منها
وارتمى في حضنها


هذا ما كنت اتسائل عنه اذا ما كان ممكنا ام لا..؟ كيف ينظر اصبي الى امه الان...؟
الاشراقة والهم...الابتسامة والانكسار...؟


اماه اجتاحتني اليوم ..
تساؤلات وافكار..
هذا الطين هل له لسان ينطق به..؟
كيف هو صوته..ولماذا هو صامت هكذا..؟
في اي زمان كان..وجد...؟
انفاسه لماذا لااسمعها...؟
اماه صدقت انا عليل....
خشيت اني اؤذيه......
فعدت مسرعا لاعرف اذا ماكنت
مذنبا بحقه..ام لا....؟
اذا ليست عين هي ما اصابت الصبي كما ظنت الام..لكن ظنها لم يكن مخيبا ابدا فالصبي قد اصابه شيء قد يكون اكبر من اية عين تصيب المرء...اذا هنا حاول الكاتب ان يجمع بين النقيض ونقيضه بحيث يرفض فكرة الاصابة بالعين ولاينكر حدس الام بان الصبي عليل..لان الصبي نفسه هنا يظهر علته أي يقر بالعلة لكنه يختلف عن الام في نوعيتها.. العلة هي ان الصبي عمره لايتوقف انما يستمر اذا فهو يكبر..الانسان عندما يكبر تكبر مداركه..اذا من حقه ان يتسائل..والسؤال المطروح من اجل الوصول الى حقيقة غائبة سؤال طبيعي وليس كأخر مطروح دون غرض...وهذا ما يجعل تساؤلات هذا الصبي تأخذ أطرا غير مستقرة غير ثابتة ويمكن ان يحللها أي شخص حسب رؤيته للنص...قد يراها البعض نمو مدارك الانسانية في الصبي بحيث يصبح كجانتي يرى في حرث الارض اذية للحشرات..وقد يراها اخرون ان حب الارض والوطن قد نما فيه..وقد يرى اخر بان الحب والعشق بدا يغرس في اعماقه..ووووو..؟
لكن ما جذبني هو نمو شعور الذنب لدى الصبي وسرعته وبداهيته في السؤال عن الذنب دون انتظار او ان يخفي ذلك..قد اتهم باني ابشر بما نفعله من اعترافات أمام........ لكن سبق وان قلت لكل الحق في فهم الموضوع حسب رؤيته.
قبل ان اختم كلماتي هذه اردت ان انقل لكم باني لم استشر صاحب النص في النشر هذا لكني وجدت لي الحق في ان لا اخفي الكلمة التي هي الانسان والتي تعلمت منه شخصيا بان لا اكتمها ابدا حتى لو كنت افقد الكثير...._هذا اعتذار لك جو...).....(اغلب هذه الملاحظات مأخوذة من ما كان يكتبه هو لي لذا انا لم انقل الا كتاباته..ولهذا فان اسلوبه طاغي تماما على اسطري هذه..اعتذر ثانية جو...).
حبي وودي