لا تتألم !
هي أكثر من يزورني على كره مني ، فلا ثقيلة كذي و لا سمجة كها ؛ أنها الحمى و أذيالها من هذيان في السمع و البصر ثم الفؤاد حد أن يفيض اللسان .. و ها أنا .

بات الحزن منذ أمد يتبّع معي أسلوباً فريداً في النزال ؛ أدق صدرك يا ابنة الربيع حتى لا تسمعي صوتاً غير طرقي و لا تفتحي لخطوٍ غير خطوي ، و أعلمك لا تنهضين مسرعة إلي و تتثاقلين مقبلة علي .. فخذي نصيبك و أنصباء جيرانك فوهن وضعف و حمى حتى متى قالوا الكسولة في إكرام طوارق الليل و النهار عذروا .. بل ترحموا .
و على غير عادة الضيفان ؛ ما أن يدلف بابي حتى يبادرني بالترحيب و يقبل على بالضم و اللثم ، و يقول لي : ياحبيبة أين أنت عني ؟
وي كأنه كان غائباً ! ألم يشرب قهوتي من قريب ، و يعتصر كرمة الفؤاد أمس في المغيب ؟ أيكون أنه عائد بمعتّق ما عصر ؟ و من فؤادي سيسقي فؤادي ؟
و يرى نظرة العتب في عين حوراء فيجمجم ثم يعاود الرفق بهمس .. لكنه المبحوح ؛ أكتفي منك بالجسد و قد عصمتِ مني اللبّ ! هي الحمى و لا شيء غيرها ! عجباً منك يا حزن ؛ أي شيء تخيرت لي ؟! من يهوي بالجسد ثقيلاً لأسفل قيعان الأرض و يطير باللبّ حد سماوات الرب ، فلا جسد يتحرك و لا عقل ثبت !!!

أي رفق يا مرمريس ؟

فافرح !

فمتى زارني الحزن و اصطحب معه حمّاه اللاهبة فرغت نفسي من كل معاني الصمت و ألوان الحكمة ، و تجردتْ من علائق الاتزان و الثبات عند منطق العقلاء و مسحتُ مع كل زفرة من زفرات الحميم عن أديمي سيماء الكهولة و النضوج .. فعدوت تلك الطفلة التي تهذي بكل أصناف المقال بين يديك ، فتسمع منها ما يضحكك و يبكي ، و ترى ما يبهجك و يبهجك ثم يسح من عينك دمعك .

يقولون : صاحب من حسن منطقها لا من جمل وجهها ؛ فالجمال زائل و الحديث أكثر ما يعينك و أنت العجوز ، و عليه و على ركاب الحمى سمعت مني ما يجعلك تظن بفوزك .. فوز بذات منطق ؛ فحتى الحمى ما غلبته .

و ها قد سقت لك سببين للفرح ؛ هذياناً أظنه ماتعك و فوزاً أظنه يتوجك ؛ ألا تجبني سؤلي : قف بابي و امنع الحزن أن يطرق برأس حربته صلد ألواحه .