بسم الله الرحمن الرحيم
هِيَ فُلولُ الأوزانِ و بَقايا الفِقرِ ، و مِزَقُ روحِ شاعِرٍ و نُتَفُ شِغافِ ناثِرٍ .. هيَ أنا بَينَ الرَّجيعِ و المَنْثورِ.
سَكبَتْني المعاني – طَوْعاً مني أو كُرْهاً – في قَوالِبِ البَيانِ ، و رسمَتْني المَرايا انْعِكاساً على أنْفُسٍ تتقِنُ التّلوينَ .. ثم تَرَكَتْني حَيْرَى بينَ " تعبّقي " و " أنتِ الحَياةُ " ! حائرةٌ ؛ فَلا تَكْفيها المَعْرِفَةُ و مُتَعَنِتَةٌ تأبى أنْ تَرْضى ، ثم لا تَسوقُ حُجَّةً لما ادّعَتْ و لا تُحَقِقُ فيما وَعَتْ !
هيَ نَفْسي .. بلْ رأيتُ كلَّ معاني نَفسي في أفكارِ شِعْرِهِ فأعلمُ أنَّ أفكارَهُ أشْواقُهُ لأسْتَقِرَّ على أنّ أشْواقَهُ ما هي إلا آلامُهُ ، فما أنا إلا كلُّ ذلك ؛ أفكارُهُ و أشواقُهُ و آلامُهُ مُجْتَمِعَةً .
يقولونَ إنَّ أصْدَقَ الشِّعْرِ أكْذَبُهُ ! و أقولُ إنَّ وَراءَ كُلِّ تِلْكَ المعاني نَفْساً وثّابَةً حَيْرى لأنَّها تَعْشَقُ أو كانَتْ تَعْشَقُ .
و تأبى البلاغَةُ إلا أنْ تأخُذَ مِنْ نَفْسِهِ بعضَ معانيهِ لتَسْكُبَها فيّ فَيَئِنُّ القَلَمُ على صَدْرِ بَناني ؛ قد أحالَهُ الدّمُ و اللحْمُ إلى روحٍ تُناسِمُ نَبْضي متى عانَقَتْهُ أصابعي ، فأعلمُ أنّها الخِيانَةُ و ما مِنْ خائِنٍ، و أنّها الجِنايَةُ و ما مِنْ جانٍ !
فيكتبني كَلِمَةً كَلِمَةً ، و يرسُمُني سطراً سطراً ، فتحيا الكَلِماتُ بينَ يديهِ و تَشكو الأسطُرُ كَبِدَها الحَرّى و قد تَقَطّعَتْ ، و لولا إِزارٌ مِنْ رُموزِ التّرقيمِ تَشُدُّ وسطَها لَتداعَتْ يَجُرُّ أسْفَلُها أعْلاها نَحْوَ الرّكاكَةِ .
وَ يَدّعي حامِلُ حِبْري - و هوَ العَجوزُ المُتهالِكُ المُعْتَمِدُ على عَصاهُ الحَيَّةِ أنّ الكِتابَ صَنيعَةُ قَلْبٍ لا صَنيعَةُ لِسانٍ فلا سَبيلَ لِمَحْوِ أثَرِهِ و إزالةِ بَصْمَتِهِ ! فَيغْدو أثَرُهُ بَعْدَ العَيْنِ الّتي رَأَتْهُ حَفْراً في صَخْرٍ لا يَحولُ و لا يَزولُ ... أو حقاً لا أثَرَ بَعْدَ عَيْنٍ ؟
يقولونَ إنَّ مِنَ البيانِ لَسِحْراً ! وَ أَدّعي ما ادّعاهُ قَلَمي ؛ هُوَ كِتابُ صَنْعَةِ قَلْبٍ لا صَنْعَة بَنان .
و بينَ أَصْدَقِ الشّعْرِ و سِحْرِ البيانِ أَجِدُ مَقاعِدي حَيْثُ لا تَمامَ لِمَعاني الكَلِماتِ إلاّ أَنْ تَسْكُبَ الأنْفُسُ فيها مَعانيها . وَ بَيْنَ العَقلِ و القَلبِ ما وَجَدتُ بَعْدُ .. مَنازلي .