بسم الله الرحمن الرحيم


لقطة صغيرة من زاوية أصغر يستطيع القارئ أن يدرك – و سريعاً - أين يتجه الأدب بأسماء أو أين هي تتجه بالأدب .. اختر أيهما شئت ؛ ففي أي خيار تجد شيئاً ماتعاً يبهرك .
و كأن العدوى أصابتني من كثرة ملازمة أحرفها ؛ فرأيت نفسي أجمع مفردات أدبها نرجساً أو ياسميناً و أرتبه في سلال الذائقة الأدبية كأحلى ما يكون الجمع و الضم في طاقات .. هذا هو أدب أسماء كما رأيته ؛ أدب ملك الطبيعة بين السطور ، و صبغ الوريقات البيض بأزهى ما يكون زاهي النوّار و تباشير اللوز و الليمون .
إذا نجد الطبيعة ماثلة أمام العيون في " هطول " و في " شتاء " و في " ابتمسي " و في كل نص سكبت فيه الأديبة بعض معاني ذاتها ، و أدرك إدراك اليقين أنها توحدت مع تلك الطبيعة أنفاساً و لساناً صادقاً ترجمانه الحبر هنا !


فهي تسكن النجمات مع حِبها و تفرش الغيمات و تصعد تلال قوس قزح .. بل النجوم قناديل تعلقها متى أدلج الليل و الحلم نبت يسقيه الحب في قلبها !
لكن الطبيعة لا تكتفي أن تقف عند بابها آنية للزينة .. بل نرى تشخيصها بلغ حداً عظيماً قلما نجد له مثيلاً ؛ فالشوق و الحنين و حتى الشتاء أرواح تتحدث و تتنقل و تعذب و تقبل و تدبر !


و الشوق !


و تظل الأديبة تحدث الشوق و يحدثها ، و تناجي الحنين و يناجيها ليكون موضوعها الأكثر بروزاً ، و الأعظم تعلقاً بأهداب الحبر المهرق على صفحاتها ، و لتثبت لنا أنها جمعت في أدبها كافة سمات مدرسة أدبية أفل نجمها عن ساحة الأدب إلا قليلاً ليسطع نوره بين يدي قلم أسماء من جديد .


و القارئ لأدب هذه الأدبية الرائعة يدرك تماماً مقدرتها على الحفاظ على تلك الموسيقى العذبة الرقيقة و التي تشي دوماً بنهجها الممتد من سويداء قلبها إلى العيون ثم القلوب ؛ فلا أثر لتلك الموسيقى النحاسية الجرس ، و لا الصاخبة الصوت ؛ فلا نداء عالياً و لا هتافاً مجلجلاً .. بل همس يعتمد على استعمال اللغة استعمالاً جديداً في دلالات و صور غاية في الرقة مع كبير إبهار : " "

يدفعني أدب أسماء – بكل خلاله – إلى صورة واحدة لا أرى غيرها يمثله تمثيلاً فريداً و دقيقاً و غاية في الكمال ؛ صورة المدرسة الأدبية الرومانسية الحديثة .
فما من أديب أو أديبة رأيت يتوحد مع الطبيعة و الجمال قدر حرفها ، و مع ميل كبير إلى التشخيص و التجسيد في الصور و تحقيق وحدة عضوية عن تجاربها الذاتية ، مع جرس حرفها الناعم المتوافق مع أنين الحنين و الشوق .
و مما يزيد الأمر تمكيناً في نفسي أنها من أبناء المغرب العربي و الذين انطّبعوا تأثراً بالأدب الفرنسي الرومانسي السمت .
غير أن سمة واحدة من سمات تلك المدرسة نفضتها الأديبة عن ثوب أدبها بكل فخر و اعتزاز ؛ أنها تحسن الظن بربها فلا مجال لتشاؤم و لا استسلام للآلام و الأحزان ، فها هي رغم كل الأوجاع تقرّ أنها بألف خير من الله :


أقرأ أسماء عائدة بأدب المدرسة الرومانسية عودة قوية ، و باعثة لموات كثير من سماتها ، و ممثلة لها خير تمثيل يكون في هذه الحقبة .