بسم الله الرحمن الرحيم

وَ السَّلامُ عَلَيْكَ !


أَصَابَنِي اليّومَ الرّافِعيُّ بِسّهمٍ فِي مُخِ العَظْمةِ التي تَسْتندُ عَلى أَثَافِيهَا الثّلاثةِ .. أَصَابَ مُخَ قَلّمِي ، وَ جَحدتْ عَينِي الوّقِيعةَ .

دَونَ أَنْ يَدرِي المُحِبّ يَتَحولُ فِيهِ المَسْلوبُ إِلى سَالبٍ ؛ يُسْلبُ لُبّهُ وَ يَشْردُ فِكْرهُ وَ تَهْربُ بَناتُ أَفْكَارِهِ العَذْرَاواتِ لتُلاقِحَ فِكْرَ المَحْبوبِ وِ فِكَرِهُ .. ، وَ البِكْرُ مِنْهَا صَفَحَاتٌ بِيضٌ مُشْرَبَةٌ بِحُمرة وَهَجُهَا الحُبّ وِ الحُبّ وِ لا شَيءَ غَير الحُبّ . حَتى إِذَا كَانتْ الحُروفُ وَلاّدَةً انْقلَبَ السّحِرُ عَلى السّاحِرِ وَ سَلبَ المُحِبّ عُصَارَةَ الحَياةِ مِن المَحْبوبِ لِيسْقَي بِهَا جُذُورَ مَعَانِيهِ .
هَكَذا كُنْتُ وَ الرَافِعيُّ ؛ سَلَبنِي لُبّي وَ شَردَ فِكْرِي إِلَيهِ وَ هَرَبتْ كُلُّ بَناتِ أَفْكَارِي نَحْوَ أَفْكَارِهِ ... فَكَتَبتنِي مَعَانِيَهُ صَفَحاتٍ بَيضَاءَ مُشْرَبَةٍ بِحُمرَةٍ كَيْفَ يَشَاءُ بِكُلِّ حُبّ وَ حُبّ وَ لا شَيء غَير الحُبّ .
اليّوم عَلِمتُ أَنّ المَعْشُوقَ قِطْعَةُ أَلَمٍ يَكْسُوهَا السّكَرُ ، وَ حَلاوَةُ الرّافِعيّ ذَابَتْ فِي فَمِي لَذِيذَةً .. لَذِيذَةً ، وَ بَعْدَ أَنْ وَهَبَتْنِي كُلّ تِلكَ اللَّذَةِ حَلاوَةَ الصِياغَةِ وَ طَلاوَةَ العِبارَةِ أَفقْتُ فِي لَحْظَةٍ عَلى مَرَارَةِ الألَمِ أَنِّي أَسْلِبُ عُصَارَةَ فِكْرِهِ لأسْقِيّ جُذُورَ المعَانِي عِنْدِي .
و آه مَنْ أَلمٍ سَقَانِيهِ الرَافِعيّ .. وَ آه مِنْ أَلمٍ سَقَانِيهِ الرّافِعيّ !
وَ أَنْكَرَتْنِي كُلّ جَوَارِحِي ؛ فُؤَادِي وَ عَيْنِي وَ كَادَتْ أَصَابِعِي .
أَتَهْجُرِينَ الرّافِعِي يَا ابنَةَ قَلَمِهِ ؟ هُتَافٌ مَلأَ القَلبُ بِهِ مَسَامِعِي ، وَ ضَجَتْ بِهِ نَبَضَاتُ رُوحِهِ .. وَيْحَ نَفْسٍ تَهْجُرُ حِبّهَا وَ وَاهٍ عَلى رُوحٍ تُفَارِقُ صِنْوَهَا !
وَ حَارَ الدّمْعُ فِي تِلكَ الجُفُونِ فَمَا أَقْسَاهَا عَلى صَاحِبَتِهَا ، وَ وَالله إِنّي لَظَننتُ أَنّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ صَلّدِ الأرْضِ صَلةً وَ قَرَابَةً فَلا هِي ابْتَلعتْ مَاءهَا وَ لا هِي شَقتْ لهَا الأخَادِيدَ ؛ فَأَسِيلٌ هِي .. وَ لا هِي أَشْرَقتْ شَمْسُ السّكِينةِ عَليهَا فَجَفتْ .
نَعمْ أَهْجُرُهُ يَا كُلّ عِبارَاتِي المَأسُورَةَ فِي رِقّ " وَحْيّ القَلَمِ " ، وَ أَظْعَنُ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ يَا كُلّ مَعَانِيّ المُتَجَمِلَة بِـ " أَورَاقِ الوّرْدِ " ، وَ أُغَادِرُكِ يَا أَفْكَارِيّ المتَسَاقِطَة مِنْ " رَسَائِلِ الأحْزَانِ " ، وَ سَأجَفْفُ كُلّ مِاءٍ أَمْطَرَتْنِيهِ جُمَلَ " السّحَابِ الأحْمَرِ " ... ، نَعمْ ؛ أَنَا أَهْجُرُهُ .
وَ سَأغَيّرُ دَفّةَ قَلَمِي نَحْوَ فِكْرٍ لا يَعْرِفُ عَن الرّافِعِيّ غَيرَ أَصَالَتِهِ ، وَ سَأدِيرُ بَوصَلَةَ اليّرَاعَةِ نَحْوَ قَلْبٍ لا يَعِي مِنْ حُبّ الرّافِعِيّ إلا أَنّهُ سَلا حَبِيبَتَهُ ، وَ سَألملِمُ أَورَاقِي وَ أجْمَعُهَا حَتَى يَأتِي الخَرِيفُ القَادِمُ فَيَخْلَعَ عَلَيهَا مَنْ فُضُولِ مَعَانِيِهِ مَا سَكَنَ فِي نَفْسِي وَ اسْتَقَرَ مَعَ كُلّ وَرَقَةٍ لَفَظَتْهَا شَجَرَتُهَا .
فَمتى وَجَدْتُكِ يَا حُرُوفِي تَسْتَرِقِينَ النّظَرَ إِلى رَفِيقَاتٍ بَيْنَ طَياتِ صَفَحَاتٍ صَفْرَاءَ تَقَادَمَ عَهْدُهَا ، وَ دَفَعَكِ الحَنِينُ إِلى جَدَاولٍ رَقْرَاقةٍ سَقَتْ زَهْرَكِ أَزْمِنةً فَاعْلَمِي أَنّكِ مَوءُودَةٌ !
أَنْتِ جَمِيلَةٌ بِلا زِينَةٍ رَافِعِيةٍ ، وَ بَهِيةُ الطّلَةِ وَ إِنْ كَسَاكِ الذّبُولُ وَ لَكِنّ أَثَرَكِ فِيّ صَنَعَ لَكِ تِلكَ المَنِزلَةَ فِي نَفْسِي ؛ ذَابِلَةٌ .. ذَابِلَةٌ لَكِنّكِ أَنَا وَحْدِي دُونَ الرّافِعِي .
وَ ذُبُولكِ يَصْنَعُ مِنْ المعَانِي فِي كُلّ مَرَةٍ مَا لا يَصْنَعهُ فِي أَيّ مَرَةٍ ، فَهِي اللّذَةُ التي لا تَعْرِفَ اللّحَمَ وَ لا تَشْتَهيِهِ وَ لَكِنّهَا اللّذَةُ التي تَعْرِفُ الرّوحَ وَ تَشْتَهيِهِا ، فَيَتَلَونُ الخَرِيفُ بَيْنَ يَديِكِ بِكُلّ أَلُوانِ الرّبِيعِ ، وَ أَنْتِ الذّابِلَةُ !
يَا حُرُوفِي ! لا تَنْتَظِرِي الرِيّ مِنْ نَبْعِهِ ؛ فَمَا المَاءُ مِنْهَ إَلا مَسُ ظَاهِرٍ ، فَأَنْتِ الذّاوِيةُ ! وَ ثِقِي أَنّ البَاطِنَ رَيّانٌ وَ جُذُوركِ تَمْتَدُ إِلى أَعْمَاقِ القَلْبِ فَتِشْرَبُ مِنْهُ عُصَارَةَ لُبِّهِ وَ تَصَعَدُ بِهَا إَلى الأعَالِي لتَكُونِي صُورَةً مِنْ صُورِ الحُبِّ .
وَ يَا بَعْضَ مَعَانِي نَفْسَي ! ثِقِي أَنّكِ تَلْبَسِينَ عَارِيّةً وَ أَنْتِ بِهَا عَارِيّةٌ ؛ وَ لا بُدَ لِلعَارِيّةِ أَنْ تُسْتَردَ ، فَتَزَيَنِي بِبَيِانِي وَ إِنْ تَقَزّمَ أَمَامَ عِمْلاقِ البَيانِ وَ تَواضَعَ بَيْنَ يَدَيّ صَاحِبِ " إَعْجَازِ القُرآنِ " !
وَ خُذِي يَا صُورَةً مِنْ صُورِ رُوحِي كُلّ حِسْي ؛ يَصْبِغُكِ بِألوَانِ الطّيفِ تَارَةً وَ بِلونِ الضّياءِ تَارَةً وَ رُبَمَا بِلونِ شَقَائِقِ النّعْمَانِ دَائِمَاً .
وَ وَدْعِي مَعِي يَا بَعْضَ أَنْفَاسِي رَفِيْقَ البَلاغَةِ وَ صَاحِبَ الفّصَاحَةِ وَ الفّيلَسُوفَ العَظِيمَ ، وَ اكْتُبِي يَا كَلِمَاتِي إِلَيْهِ : ... وَ السَّلامُ عَلَيْكَ .