إفاقة في المنام
أعد كأسين من العروبة الباردة وأخذ يحدث نفسه:
- وداوني بالتي كانت هي الداء, خيبك الله يا أبا نواس, أما لو كنت على قيد الحياة إذا لشاركتني نخب التي كانت هي الداء, أما وإنك قد توسدت الثرى فسأنوب عنك وأحتسي الكأسين.
جرع الكأسين فلعبت العروبة برأسه وأخذ يترنح ذات اليمين وذات الشمال, وأنشأ يهذي:
-أيتها الصحراء التي تمتد من بلاد ما وراء النهر إلى بلاد ما وراء الشمس أجيبيني أيهما أغلى؟ دم الشهداء الذي سال على حبات رملك أم آبار الزيت التي تستعر في أحشائك؟
صب لنفسه كأس عروبة آخر وجرعه وجثا على ركبتيه وأخذ يصرخ:
-مدد, يا نهد هذا البلد, مباح أنت لكل أحد, فمن حرمك على والد وما ولد؟
صب كأسا آخر وشرع يهمس:
-أيتها الرحم التي لفظت كل أجنتها وتبنت أبناء الشيطان, ليس عقوقا أن أعمل فيك السيف ثم أسحقك دهانا أمسح به على ظهر الشيطان علني أنال رضاه.
ألقى بالكأس وأخذ يجرع العروبة من الزجاجة بنهم الهيم وتعالى صوته:
-أيتها الأم الثكلى كم دفعو لك كي تتحجر الدموع على مجرى خدك عند بكاء الولد ؟
-أيتها الزوجة المترملة كم قبضت ثمنا لزفرة الوجد؟
-أيها الأطفال الأيتام بكم بعتم حلما نسجه أبوكم من خيوط الغد؟
أتى على ما بقي في الزجاجة من العروبة فأغشي عليه, وفي منامه رأى أنه أفاق فآثر النوم إلى يوم القيامة.